الثلاثاء, أكتوبر 14, 2025
الرئيسيةمقالاتبَرَاءَةٌ تَغتَصَبُ وَحَقٌّ يُقْتَلَع مِـنْ...

بَرَاءَةٌ تَغتَصَبُ وَحَقٌّ يُقْتَلَع مِـنْ وَجَعِ الطِّفْلَةِ إِلَى نِدَاءِ المُعَلِّم بقلم: عبير نبيل محمد

{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ }
– سورة إبراهيم، الآية 42 –


ليكن التعليم مَلاذًا للأمان، لا بدايةً للألم…

فالطفلة التي سُرِق منها ضحك الصباح داخل أسوار المدرسة، لم تخسر كتابها فقط، بل خُطف منها الحلم والطمأنينة والحق في الطفولة.
قصة مدرسة الدوحة بالأبيض ليست حادثة عابرة، بل جرح مفتوح في قلب الوطن كله، صرخة ضد الصمت، ودليل على أن الضمير التربوي في خطر.

كم طفلة بكت في الخفاء؟
وكم تلميذ صامت ضاع صوته خوفًا أو تهديدًا؟
إنها ليست قصة فتاة واحدة، بل نداء أمة بأكملها: أين الأمان يا وطن التعليم؟


مسؤولية الدولة ووزارة التربية والتعليم

حين يتسلل الخطر إلى الفصول، فالمسؤولية لا تقع على الجدران، بل على من يملكون القرار.
وزارة التربية والتعليم ليست جهة مناهج فقط، بل وصيّة على القيم، وحارس على أرواح التلاميذ.

من واجب الدولة أن:

  1. تضع معايير دقيقة لاختيار المعلمين والعاملين بالمدارس، تشمل فحص السجل الجنائي والسلوك الشخصي.
  2. تنشئ وحدات حماية الطفل داخل كل إدارة تعليمية تراقب وتستقبل البلاغات بسرية وأمان.
  3. تدرب المعلّمين على حماية الطفولة قبل تلقين الدروس، فالمربّي الحق هو من يصون الأمانة لا من يكرّر المنهج.
  4. تفعّل آلية بلاغ إلكترونية آمنة، تحفظ صوت الطفل من القمع أو الانتقام.

إن المدرسة ليست جدرانًا تُعلّم، بل قلبًا يُربّي.
وأي إهمال في حماية هذا القلب هو خيانة للأمانة التربوية، وتقصير لا يغتفر.


دور إدارة المدرسة والمعلّمين

إدارة المدرسة هي خط الدفاع الأول عن الطفل،
وعلى المديرين والمعلمين أن يكونوا عيونًا يقظة، لا موظفين عابرين.

راقبوا السلوك اليومي للعاملين،

لاحظوا خوف التلاميذ غير المفسَّر،

استمعوا لكل همسة قبل أن تتحوّل إلى مأساة جديدة.

المدرسة التي تغلق أبوابها في وجه الشكوى، تُشارك في الجريمة بصمتها.
فلتُفتح الأبواب للثقة، ولتُزرَع الكلمة مكان الصرخة.


دور الأسرة والمجتمع

الأم التي تُصغي لأنين طفلتها تُنقذ وطنًا صغيرًا من السقوط.
والأب الذي يعلّم أبناءه أنّ الجسد حرمة لا يُمس، يُربّي أجيالًا لا تُغتصب كرامتها.

أيها الآباء، حدّثوا أبناءكم عن حدود أجسادهم، وعن حقهم في الرفض، في الصراخ، في البكاء دون خوف من العقاب.
وأيها المجتمع، كفّوا عن ثقافة العيب، فالصمت عن المجرم خيانة للطفولة قبل أن تكون مخالفة للدين.


المحاسبة والعقاب… لا تهاون

هذه الطفلة التي لم يتجاوز عمرها أصابع اليد، والتي هتك عرضها مدرس تربية إسلامية، تستحق أن ترى العدالة الفورية تطبق.
لا عذر لأي تأخير، ولا مساومة على حقها.
كل من يظن أن موقعه يمنحه حصانة، مخطئ، فالقانون واضح: من هتك عرض طفل سيُحاسب بأقصى العقوبات الرادعة، ليكون ردعًا لكل من تسول له نفسه المساس ببراءة الأطفال.

السكوت عن هذه الجريمة = مشاركة فيها، والمجتمع، الأسرة، والمدرسة، وكل مؤسسات الدولة مطالبون باليقظة والمحاسبة العاجلة.


إحصاءات مأساوية

تشير تقارير غير رسمية إلى أن أكثر من 120 حالة اعتداء جنسي على الأطفال داخل المدارس تم تسجيلها خلال العامين الماضيين في السودان، بينما لم تُعلن العديد من الحالات خوفًا من العار أو الانتقام.
هذا الرقم الصادم يجب أن يكون دافعًا عاجلًا لتفعيل وحدات حماية الطفل والإجراءات القانونية الصارمة.


تجربة واقعية

طفلة صغيرة، اسمها محفوظ في الذاكرة فقط، قالت لوالدتها وهي ترتجف:
“كنت أخاف أن أفتح فمي… كنت أخاف أن يظنوني مذنبة.”
هذه الكلمات الصامتة تحمل نداء كل طفل يخشى الإفصاح عن وجعه، وتؤكد أن حماية الطفل ليست خيارًا، بل واجب حياة أو موت لكرامته.


نحو منظومة حماية متكاملة

حماية الأطفال ليست واجب وزارة واحدة، بل مشروع وطن بأكمله.

الدولة تشرّع.

المدرسة تراقب.

الأسرة تحتضن.

المجتمع يُبلّغ ويدعم.

وحين تتّحد هذه الأدوار، يمكننا أن نقول بثقة:
إن الوطن صار مكانًا آمنًا لضحكة الطفولة.


المعلّم الشريف… نداء الضمير

في اليوم العالمي للمعلم، الذي مرّ كظل سريع بين ركام الحرب والدموع، لا نحتفل بالورود ولا نوزّع الشهادات، بل نستعيد روح الرسالة التي وُئدت تحت ركام الصمت.

المعلّم الحقيقي ليس من يكتب الدرس على السبّورة،
بل من يكتب في ذاكرة تلاميذه أن الكرامة لا تُشترى،
وأن من يربّي الأجيال لا يُطفئ براءتها.

يا وزارة التربية والتعليم،
يا مؤسسات الدولة،
يا من تبقّى فيكم بقية ضمير وولاء للوطن…
نريد قوانين تردع، ومناهج تُنقذ، وعيون تسهر لحماية الطفولة.
فقد مضى زمن العذر، وبدأ زمن الحساب.


ختام الرسالة

لن تُسترد الحقوق بالصمت،
ولا تُشفى الجراح بالبيانات،
بل بالوعي، بالمحاسبة، بالصدق مع الله ومع الوطن.

طفلة اليوم هي أم الغد،
وكرامتها هي الامتحان الأعظم لكل منظومة التعليم في السودان.

سلام وأمان فالعدل ميزان.


توقيع لا يُنسى:

أنا الرسالة حين يضيع البريد…
أنا صرخة أمّ لا تنام على وجع طفلتها…
أنا أم لأبناء وبنات، أرى في كل وجهٍ منهم تلك الطفلة…
أنا امرأة من حبر النار، أكتب من أعماق الأمومة والحب والوجع معًا.
بقلم …عبير نبيل محمد

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات