الثلاثاء, أكتوبر 14, 2025
الرئيسيةمقالاتإيلا.. رحيل الدولة في رجل بقلم د....

إيلا.. رحيل الدولة في رجل بقلم د. إسماعيل الحكيم..


الدكتور محمد طاهر إيلا، برحيله يوم أمس، لم يفقد السودان رجلًا فحسب، بل فقد رمزًا وطنيًا استثنائيًا جمع بين الكفاءة الإدارية والنزاهة الأخلاقية، وبين الحزم في القرار والرحمة في التعامل. لقد كان إيلا مدرسة قائمة بذاتها، ومدرسة في فن القيادة النظيفة التي لم تلوثها المصالح، ولم تشبها شائبة الأطماع.
لقد أجمع الناس – على اختلاف مشاربهم – على أن إيلا كان رمزًا للبناء الوطني والتماسك الاجتماعي، وأنه جسّد في مسيرته نموذجًا نادرًا في تحمل المسؤولية وأداء الأمانة بحقها. كان مؤمنًا أن الوطن لا يُبنى الشعارات والنداءات الجوفاء ، بل بالعرق والتخطيط والرؤية الممتدة في الأفق. ومن هذا الإيمان وُلدت مشروعاته التي أنارت المدن وعمّرت القرى، فصار اسمه مرادفًا للتنمية والعطاء.
كان إيلا رجل الدولة والمجتمع معًا، يعرف حاجات الناس كما يعرف حاجات المؤسسات، يبني الطرق والمدارس والموانئ بيدٍ، ويمسح دموع الفقراء باليد الأخرى. لم يكن في نظر الناس مجرد والٍ أو مسؤول، بل كان أبًا راعيًا، وقائدًا صادقًا، ورجلًا من طرازٍ فريد، جمع بين الحكمة والتواضع، وبين الإخلاص والعمل الميداني الدؤوب.
وحين وارته جماهير البحر الأحمر الثرى، لم تكن جنازته مشهد وداعٍ عادي، بل كانت استفتاءً شعبيًا على حب رجلٍ نذر نفسه للسودان. اجتمعت فيها القلوب قبل الأجساد، وتعانقت فيها الدعوات قبل الأكف، لتشهد أن من يخدم الناس بصدق، يعيش في قلوبهم وإن غاب عن أعينهم.
لقد رحل إيلا، لكنه ترك خلفه أثرًا لا يُمحى، وسيرةً طيبةً عطرة، تُتعب من بعده كل من يتولى الأمانة، وتضع أمام القادة القادمين ميزانًا صعبًا من النزاهة والعطاء.
ألا رحم الله الدكتور محمد طاهر إيلا، وجعل البركة في عقبه إلى يوم الدين، وجعل سيرته نبراسًا للأجيال، ودليلًا على أن في هذا الوطن رجالًا صادقين، إذا رحلوا، بكتهم الأرض، وافتقدهم البناء، وصلّت عليهم القلوب. Elhakeem.1973@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات