﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ…﴾
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾
┉┅═══✦◈✦═══┅┉
في زمنٍ أُطفِئت فيه مصابيحُ الرحمةِ، وسُحِقَت فيه الإنسانيّةُ تحتَ أقدامِ الحربِ،
تَأتي محاكمةُ «علي كوشيب» كجرسٍ صغيرٍ يقرعُ في قاعةٍ كبيرةٍ صمّاء.
لكن في دارفور، في السودان، لا يزالُ الدمُ حارًّا،
ولا تزالُ العدالةُ تُغتَصَبُ كلَّ يومٍ بصمتٍ رسميٍّ وموتٍ مجانيٍّ لا يرحَم.
▪ الجوع… الموتُ البطيءُ الذي لا يُحاكَمُه أحد ▪
في القُرىِ والمخَيّماتِ، يُذبحُ الجوعُ الإنسانَ ألفَ مرّةٍ ومرةٍ ومرةٍ.
أطفالٌ ينتظرونَ وجبةً لا تأتي، نساءٌ يفترشنَ الترابَ،
وشيُوخٌ يمدُّونَ أيديَهُم إلى السَّماءِ وقد يَبِسَ النداء.
الحربُ لم تقتلهم بالرصاصِ فقط، بل بالخِذلانِ، وبالانتظارِ الطويلِ لعدالةٍ لا تصل.
لقد صارَ الخُبزُ أمنيةً، والماءُ صدقةً مُؤجَّلةً،
والنجاةُ مجرّدَ حلمٍ في وطنٍ يتآكَلُ من أطرافِه.
▪ محاكمةُ الماضي… وجرائمُ الحاضر ▪
حُكمُ المحكمةِ على كوشيب ليسَ نهايةً للوجعِ، بل بدايةُ السؤال:
أين محاكمُ اليوم؟
من يُحاسِبُ من يذبحُ المدنيين في نيالا والجنينة والفاشر الآن؟
من يُحاكِمُ من أحرقَ القُرى وفتحَ أبوابَ المقابرِ الجماعيّةِ الجديدة؟
لا قيمةَ لأيِّ عدالةٍ إن لم تُطبَّق على الآن، على الدمِ الحارِّ، وعلى المأساةِ التي تتكرّر في بثٍّ مباشرٍ أمام العالم.
▪ دارفورُ: الجرحُ الذي لم يُعالَج والعدالةُ التي لا تأتي للأحياء ▪
دارفورُ كانت وما زالتْ مرآةً لوطنٍ يتألّمُ ولا يُحاسِب.
حُكمٌ دوليٌّ لا يكفي لتضميدِ كبدٍ جائعٍ، ولا لاستعادةِ كرامةٍ أُهِينَت.
نريدُ عدالةً تُنقذُ الأحياء، لا تُرثي الموتى فقط.
نريدُ قضاءً يملِكُ الشجاعةَ ليقولَ: كفى قتلًا… كفى نهبًا… كفى نِسيانًا.
من مكجر إلى وادي صالح إلى الدليج، كانت الفظائع منظّمة وممنهجة؛ الاغتصاب، القتل الجماعي، الحرق والتشريد لم تكُن صدفة بل سياسة. الضحايا احتشدوا في مخيّماتٍ صارت جِنازاتٍ صغيرةً متكرّرةً، وهم رغم الألم رفضوا النزوح الكامل عن كرامتهم؛ رفضوا أن يكونوا أرقامًا في قوائم الشفقة.
في 15 أبريلَ 2023 اندلعت حربٌ جديدة، لم تتركْ أي منطقة من السودان بمنأى عن الألم. ما حدث في دارفور قبل عقدين يتكرر اليوم بأسماءٍ ووجوهٍ أخرى. إدانة مجرمٍ من الماضي ليست ذريعة للاعتقاد بأن الماضي انتهى، فكل يومٍ بلا مساءلة هو فرصة جديدة للقاتل لإكمال فعلته.
▪ العدالة المتكاملة: السماوية والدولية والوطنية والإنسانية ▪
العدالة السماوية موجودة في الدعاء، والدولية موجودة في لاهاي، لكن العدالة الحقيقية تُطبَّق على الأرض:
عدالة دينيّة/سماوية: نحتاجها في الإيمان والضمير، لكنها لا تكفِل حمايةً قانونيةً للناس.
عدالة دولية: تعطي الاعتراف، لكن دون تنفيذ تصبح رسالةً فارغة.
عدالة وطنية مستقلة: أساس بناء دولة حقيقية — قضاء نزيه، مؤسسات تنفيذية لا تخضع للقوى المسلحة، ونظام عقابي لا يَرتهن للهروب.
عدالة إنسانية: برامج تعويض، رعاية نفسية، إعادة تأهيل، وبناء حياة للناجين.
نحن بحاجة لكل أنواع العدالة متكاملةً: فتح الملف القانوني، تنفيذ المذكرات، حماية الشهود، إصلاح المنظومة القضائية، وتعويض حقيقي للضحايا. أي كلام أقل من ذلك هو تجميل لجُرحٍ ينزف.
▪ من يوقظ الضمائر النائمة؟ ▪
إلى الشعب: لا تُقنِعُكم الشعارات والمناسبات الزمنية؛ اطلبوا حقوقكم ووازنوا صوتكم عبر مؤسسات جماعية مدنية.
إلى القادة: إن كان لكم وطن في قلوبكم، فلتثبتوا بالأفعال؛ محاكمات وطنية حقيقية، تعاون مع المحكمة الدولية لتنفيذ مذكرات التوقيف، حماية المدنيين، وحزم إنسانية عاجلة للمخيّمات.
إلى المجتمع الدولي: إدانة واحدة لا تُشبِع جوع الضحايا؛ عليكم تنفيذ المذكرات وفرض آليات مساءلة ودعم برامج إعادة الإعمار والحماية.
▪ لأنّ السلام الحقيقي لا يُمنح بل يُنتزع ▪
لن يرتاح الشعب إلّا حين:
- تصبح العدالة وطنية متاحة وغير خاضعة للسياسة؛
- تُنفَّذ مذكرات التوقيف بلا استثناء؛
- تُعَوَّض الأسر، وتُقدَّم الرعاية للناجين، وتُؤمَّن عودة حقيقية لا مشوهة؛
- تُبنى مؤسسات تُوقف دائرة الإفلات من العقاب للأبد.
إن حكم المحكمة على كوشيب قد يكون نصرًا شكليًا، لكنه ليس خلاصًا. دعوة لكل من يملك قرارًا: أوقفوا الحروب بالعدالة، لا بالكلمات. نفذوا القوانين، احموا الناس، وقدّموا المجرمين للمحاكمة هنا وليس فقط في العناوين.
أنا لا أكتب غضبًا فقط، بل شهادةً على زمنٍ ذُبِح فيه الصمتُ، وسُرقت العدالة من مهدها.
أنا امرأة من حبر النار، أؤمن أنّ الكلمةَ سلاحٌ لا يصدأ، وأن الحبر قد يشعل ما تعجز عنه البنادق.
في وطني… لن أنحني إلا للعدل، ولن أصمت إلا حين يعم السلام.
✦
سلامٌ وأمانٌ فالعدلُ ميزان.
┉┅═══✦◈✦═══┅┉
توقيع لا يُنسى
✦ أنا الرسالةُ حين يضيع البريد،
✦ أنا الغضب حين يسكت النداء،
✦ أنا الهيبة حين تُهان الكلمة،
✦ أنا امرأة من حبر النار،
أكتب لأوقظ وطنًا نام في حضن الرماد.
بقلم: عبير نبيل محمد
«شاركوا صوت دارفور، لنرفع صرخة العدالة معًا.»