لا أود أن أخوض في حديث زعيم عصابة “الشفشافة” الهالك حميدتي ، الذي تناقلته بعض الوسائط على استحياء ، لأنه فاقد البريق واللون والطعم… لا يرقى حتى لمستوى النقاش ، فهو أقرب إلى ونسة نسوان من شاكلة قالت لي وقلت ليها ، حديث باهت ، أشبه بما يُروى في الحكايات السودانية عن ود عيش الريف ، الزول البحب الكلام أكتر من الشاي بالحليب.
كان ود عيش الريف يجمع الناس كل يوم تحت شجرة النيم ، ويبدأ يخطب فيهم ويتحدث عن بطولات وهمية صنعها في خياله ، تارة يقول “أنا الفارس الذي يحمي عروضكم ، وتارة اخرى ، أنا سيف الصاقعة وانا سند الواقعة، وانا مطر العينة البروي الارض ، فيضحك الناس عليه ويتهامسون سراً ، خُشَّ يا ود عيش الريف ، الكلام ما بدفع إيجار ولا بيشبع جوع.
بعد سماع خطاب الهالك ، لم أجد فرقًا بين ود عيش الريف وذاك الرجل ، سوى أن الأول كان يتحدث من تحت شجرة النيم ، أما الثاني فكان يرسل ونساته عبر الوسائط ، نفس الحكاية… كلام كتير بلا معنى، وصوت عالي بلا مضمون.
وفي واحدة من المشاهد الواقعية التي تختصر مأساة هذا الاسم ، كانت هناك امرأة بسيطة تعمل في السوق ، ومعها ابنها الصغير الذي أطلق عليه الناس اسم حميدتي قبل أن يظهر كمتمرد إلى السطح ، كان الولد سريع الحركة خفيف اليد ، فصار الاسم لقبًا له.
لكن بعد أن تمرد ذاك القاتل ، تغيّر كل شيء ، صار الاسم عبئًا يوجع الأذن والقلب معًا.
وذات يوم ، نادى أحد بائعي الشاي على الطفل قائلاً: “يا حميدتي… تعال ، فقامت أمه غاضبة ، تشتعل في عينيها نار الحزن والرفض ، وبلغة اليوم ردحت لبائع الشاي ، حمو يخليك تجدع تبوك يا يابا ، أبوه كان تاجر حمير ، ولا حرامي ولا كتال كتلة ، ولا سراق ولا مغتصب ، تنبذ ولدي قدّامي؟ سكت كتير ، وتاني مابسكت ، ولدي لا كضّاب ولا عويش بتاب ، لكن تناديهو بحميدتي؟ لا ، وعلى حين زعلة ، أمسكت بكفتيرة الشاي ورمتها على الرجل ، فنجا منها بأعجوبة.
تلك الواقعة الصغيرة تختصر كيف تحوّل اسم الهالك إلى لعنةٍ تمسّ كل من تُلصق به ،صار رمزًا للقتل والتشريد ، للنزوح والاغتصاب والإذلال ، لا يجرؤ السودانيون على ذكره إلا مقرونًا بالغضب أو الحسرة أو اللعنات ، اسمٌ كان يُطلق مازحًا على طفلٍ بريء ، صار اليوم مرادفًا للخيانة والدم والعار ، هكذا تختصر الحكاية مدى الكره الذي اصبح يكنه هذا الشعب لمن تجاوز كل الخطوط الحمراء…لنا عودة