ارتفعت في ولاية شمال كردفان ومن عروس الرمال.. نبرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، لتلامس سقف الوضوح وتكسر جدار التردد.إذ قال بملء الفم وكمال الثقة لا تفاوض مع المليشيا المتمردة إلا تحت سقف الاستسلام أو على أنقاض هزيمتهم. فما كان حديثه بالأمس خطاباً جماهيرياً عابراً، بل إعلان مواقف راسخة لا لبس فيها ولا تردد..إنها رسالة عسكرية ـ سياسية تعكس عقلية القائد الذي خبر الحرب ويعلم أن التنازل عند منتصف الطريق ليس سوى تمهيد لخيبة أكبر.
لكن البرهان لم يكتفِ بإشهار موقف الحرب، بل أزاح الستار عن أفق السلام المدني، حين ربط بين المعركة على الأرض ومعركة الشرعية السياسية، مؤكداً السعي الحثيث نحو الحكم المدني. واستشهد بأبلغ برهان على ذلك وهي مشاركة رئيس مجلس الوزراء في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، كخطوة سياسية تحمل دلالة الاعتراف الدولي، وتؤكد أن السودان يسير نحو المستقبل ببوصلتين متوازيتين: النصر في الميدان بإذن الله تعالى ، والحضور في المنابر العالمية.
أما الزبدة والخلاصة التي حبست أنفاس الحضور، فكانت في اعتراف البرهان العلني والمباشر بمجاهدة فيلق البراء في حرب الكرامة، ومنح مقاتليهم وسام الشجاعة بلا حسابات أيدولوجية ولا تصنيفات سياسية، إذ قال مقولته المدوية: ” لهم ما لنا وعليهم ما علينا “. جملة تختزل فلسفة جديدة في التعامل مع أبناء الوطن؛ فلسفة تنزع الأقنعة عن الأجندات الضيقة، وتعيد تعريف المعيار الحقيقي للانتماء ، أن تقاتل في خندق الكرامة، بصرف النظر عن الخلفيات والانتماءات.
إنها رسالة بالغة العمق، إذ تأتي في زمن يُحارب فيه الإسلام والإسلاميون في كل محفل دولي، بينما يقف قائد الدولة السودانية ليعلن تحت سمع وبصر العالم أنه يفاخر بمقاتلين نذروا أرواحهم دفاعاً عن الأرض والعرض، ويضعهم في مصاف الأبطال. ليست هذه شهادة شرف مجردة، إنما هي إعادة اعتبار لتيارات طالما وُضعت في خانة الاتهام، فإذا بها اليوم تنال وسام الاعتراف من رأس الدولة وقائد قواتها.
بهذا الخطاب، رسم البرهان معالم معادلة دقيقة لا تسوية بلا نصر، ولا حكم مدني بلا سند شرعي، ولا إقصاء لمجاهد حمل روحه على كفه دفاعاً عن السودان. إنها معادلة القائد الواثق الذي يخاطب الداخل بثقة ويواجه الخارج بصلابة، ليضع العالم أمام حقيقة واحدة السودان لن يركع إلا لخالقه، ولن يفاوض إلا منكسراً أو مستسلماً.
Elhakeem.1973@gmail.com