السبت, سبتمبر 27, 2025
الرئيسيةمقالاتمثقالُ ذرةٍ من مَوْعِظَةِ الشاةِ التي عَثَرَتْ بِشَطِّ الفُراتْ : ...

مثقالُ ذرةٍ من مَوْعِظَةِ الشاةِ التي عَثَرَتْ بِشَطِّ الفُراتْ : كتب/ د.عثمان محمد البدوي

  • *الخريفُ في منطقةِ سكنِنا بالقضارف لم يكن هذا العام بمثلِ سخائه المعهود.. فقد كان يوم أمس الثلاثاء آخر أيام “عِينةِ الصَّرِف” خاتم المنازل الخريفية الماطِرة.. و لم تستقبل الأرض غير 21 “مَطَرة” -كلها ليست بالغزيرة- .. ربما بسبب {ما كَسَبَتْ أيدي الناس.. و نسألُ اللهَ اللطفَ و المَرحَمة}..
    *الهَطلُ الأخير للمطر كان مساء أول أمس الإثنين.. مما جعلني أقضي ليلتي في نومٍ متقطِّع بسبب خوفي من عجزِ عربتِنا القصيرةِ القامة عن الخوضِ في وحل الدروبِ الغائرةِ الأخاديد.. في طريقِنا صباح اليوم التالي -أمس الثلاثاء- إلى مركز القضارف لأورامِ السرطان لأخذِ “حُقنة زوميتا”.. التي صارت سببًا دائمًا لِخروجي الحتمي مرةً واحدةً كُلَّ ثلاثةِ أشهُر .. و المركز يقعُ على بُعدِ أقلَّ من أربعةِ كيلومترات عن موقع سكني.. لكنَّ وُعُورةَ الطريقِ تجعلُه يبدو و كأنه على بُعدِ ألف ميل..
    *في الطريقِ أصابني التوترُ و الإنقباضُ -ذهابًا و إيابًا- و أنا أُراقبُ -بِعيْنِ الشفقةِ و الخوف- تَخَلُّجاتِ ولدي الصغير “محمد عِماد” .. يُمْنَةً و يُسْرة- و هو يتحسسُ خطاهُ بِنبضِ عجلاتِ العربة.. بحثًا عنِ الحُفَر التي قد يكونُ اقتحامُها أقلَّ خطراً على المَرْكَبةِ و راكبيها..!!
    *بوصولِنا مركزَ الأورام زالت كلُّ أسبابِ التوترِ و الكآبة.. فالإبتسامةُ هناك مبذولةٌ من لحظةِ و قوفِكَ عند عتبةِ الدخول.. و الخدمةُ مَكفولةٌ -على الدوام- بلا مُقابلٍ إلا صالح الدعاء [جزاكمُ اللهُ خيراً]..!!
    بِقدرِ سعادتي بِحميمية لقاء العاملين و رفاقِ رحلةِ البحثِ عنِ العافية.. فإنني قد قابلتُ -هذه المرة- آخرين غيرَهُم.. سَرَّني لِقاؤهُم.. و أحزنني ابتلاؤهم: 1أسعدني لقاءُ أخي الأصغر “أستاذ عبد الباسط”.. الإداري المتميز بجامعتي السابقة “القضارف” الذي أحاطني بِدِفءِ صُحبتِهِ و حميمَ مؤانستِهِ -و ولدِهِ مُحمد- من لحظةِ الوصولِ حتى المغادرة.. و لكنني حزنتُ لكونِهِ جاء مُتابِعًا لعلاجِ زوجتهِ من “سَرطان الثدي” ..
    2أسعدني لقاءُ -صديقُ ولدي محمد عثمان” الإبن الدكتور “صلاح عُمر سر الختم”.. الذي يحرص على ملاقاتي و الإطمئنانِ على حالتي كلما جئتُ إلى المركز.. لكنني حزنتُ لكوني ألقاهُ هذه المرة بعدَ الرحيلِ الفاجعِ -في الأسبوعِ الماضي- لِخالِهِ الدكتور ” عُمر الأصم” .. إبن القضارف البار .. الذي تَخَطَّفَتْهُ يدُ المَنونِ و هو في مَيعةِ شبابِهِ و قِمَّةِ بَذلِهِ و عطائِه.. 3 سعدتُ بلقاءِ الأستاذ “محمد عمر”.. الذي ذَكَّرَني أنه كان أحد تلاميذي بمدرسة الحواتة في باكر شبابي.. و أحزنني أنه الآن يترددُ على المركز مُتداويًا من “سرطان البروستاتا” .. جنبًا لِجنب مع أُستاذِه العجوز “عثمان البدوي”..
    *سعدتُ بلقاءِ البشوشةِ الودودة “دكتورة أُم الحسن”.. التي كانت قد غادرت المركز في وقتٍ سابقٍ.. و انضمت لهيئةِ التدريس بكلية التمريض.. و عندما قابلتني اليومَ في المركز بكلِّ حيويتها و بشاشتِها المعهودة.. و ابتسامتها الوضيئة.. مازحتُها قائلًا: (تَحَصَّني من شرِّ النفاثاتِ في العُقد.. و من شرِّ حاسدٍ إذا حسد).. ثم حزِنتُ غايةَ الحُزنِ عندما أخبرني ولدي “دكتور غسان” بعد عودتنا إلى البيت -مساءً- أنها كانت في مستشفى مروي لمُدة سِتةِ أشهُر.. طلبًا للعلاجِ من “سرطانِ الثدي”..!!
    *أُمنياتي لهم جميعاً بعاجلِ الشفاءِ.. و تمامِ الصِّحةِ.. و دوامِ العافية..
    *أعودُ -مرةً أُخرى- لِما بدأتُ بهِ مقالي هذا.. من الحديثِ عن سوءِ حالِ الطريق.. و أعترِفُ بأنني ظللتُ -منذ الأمس- مشغولاً بِمدى إمكانيةِ مُلاقاةِ والي القضارف -الفريق محمد أحمد الحسن- لأقولَ لهُ -من باب واجبِ المناصحة- :[إصطَحبِ اليومَ -و ليس غداً- أهلَ الحَلِّ و الربطِ.. و ذوي الإختصاصِ الهندسيِّ من كوادرِك التنفيذيةِ و الإدارية و الفنية.. و اخرُجْ معهُم في مِشوارٍ يمتدُّ -في المنطقةِ المنسية- من مُنعَطَفِ “برج الثقافة” في قلبِ المدينة.. متجهينَ صوب “سوق نكولا.. و أحياء الأُكتوبرات”.. حتى جسر الخروجِ من المدينةِ غرب حي “الصوفي الأزرق”.. و أطيلوا الوقوف عند منطقة “دار الطريقة البرهانية.. و نادي إشراقة.. و مركز شرطة ديم بكُر”.. لتروا بأنفسِكم مدى العذابِ الذي ظلَّ أهلُ هذه الأنحاءِ يُكابدونَه لعشراتِ السنين.. و همْ يمشونَ في هذا الطريق.. و يرددون مع الشاعر “إسماعيل حسن” أبياتَهُ الذائعة الصِّيت:
    *{{بين الديوم و الإمتداد.. شارع ظلط للعين بِبِين.. *{{لَكِنُّو مو شارع ظلط.. دي حقيقة آلاف السنين}}.
    *أخي الوالي:
    *أرجو أن تُذَكِّر رجالَكَ -بعد هذا المشوار المقتَرَح- بما يُقالُ إنَّه قد جرى على لِسانِ -أميرِ المؤمنين- سَيِّدِنا عُمر بن الخطاب -عليهِ رضوانُ الله- إذ قالَ ما معناهُ : {و اللهِ لو عَثَرَتْ٥ شاةٌ -أو بَغْلَةٌ- بِشَطِّ الفُرات.. لَخَشِيتُ أن يَسأَلَنِي اللهُ يَوْمَ القِيامةِ لِمَ لَمْ أُمَهِّدْ لها الطَّريق}..
    *حسبُنا اللهُ.. و لا حولَ و لا قوةَ إلا باللهِ.. إنها -و اللهِ- لَمَسْؤوليةٌ تشيبُ من هَولِها رؤوسُ الوِلدان..!!
    *ألا هل بَلَّغت..؟
    *اللهُمَّ فاشهَدْ..
    *حفِظَ اللهُ الجميع.. و لكمُ التحيات الزاكيات.. مِنِّي (عثمان محمد البدوي).
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات