الإعلام في أوقات الأزمات سلاح ذو حدين يمكن أن يكون حائط صد يحمي الشعوب والدول من الحملات الممنهجة ، أو أن يتحول إلى خنجر مسموم يطعن من الداخل في اللحمة الوطنية ، حين يُستخدم لتشويه الحقائق أو تمرير أجندات خارجية ، وهنا تتجلى خطورة الدور الذي لعبته قناة العربية والحدث ، عبر مكتبها في السودان خلال السنوات الأخيرة ، وبالأخص من خلال مديرة المكتب الصحفية لينا يعقوب.
في الممارسة الإعلامية يُعتبر السبق الصحفي قيمة مهنية ، لكن عندما يتحول إلى منصة لتضخيم الشائعات ، أو تسريب معلومات عسكرية وأمنية حساسة ، يصبح السبق باباً واسعاً لاختراق الأمن القومي ، قناة الحدث كثيراً ما تجاوزت الحدود الفاصلة بين الإعلام المسؤول وبين الإعلام الموجه ، فبدلاً من الالتزام بواجبها المهني في تقديم المعلومة المتوازنة ، ظلت تركز على بث الأخبار المثيرة والملونة برؤية تخدم أهدافاً إقليمية لا علاقة لها بمصالح السودان.
أما مديرة مكتب قناتي العربية والحدث في السودان ، لينا يعقوب ، فقد لعبت دوراً محورياً في تكريس هذه الصورة السلبية ، فبدلاً من أن توظف موقعها الصحفي لطرح رؤية وطنية تراعي حساسية المرحلة ، كما يفعل زميلها نزار بقداوي ، انساقت وراء أجندة القناة في البحث عن الإثارة بأي ثمن ، ولو كان الثمن كشف مواقع حساسة ، أو التلاعب بوقائع ميدانية ، أو تقديم روايات مضخمة عن الأوضاع الداخلية. لقد ظهرت في أكثر من موقف وكأنها جزء من ماكينة سياسية خارجية تستغل الإعلام أداة للضغط على الداخل السوداني ، بدلاً من أن تكون صوتاً مهنياً محايداً.
آخر ما يؤكد هذا النهج كمثال حي ، ما بثته الحدث كآخر تقرير ، حين ادعت أنها تكشف مقر الرئيس الأسبق عمر البشير ومن معه وقدّمت تفاصيل دقيقة عن حياته اليومية. مثل هذا النمط من التغطية لا يمت بصلة للعمل الصحفي المسؤول ، بل يمثل خرقاً صارخاً للمعايير المهنية والأخلاقية ، إذ أنه يضع تفاصيل أمنية وحياتية على الملأ بلا تقدير لعواقبها السياسية والاجتماعية. إن تقديم مثل هذه المواد لا يمكن تبريره بالسبق الصحفي ، بل هو انزلاق متعمد في مسار الإثارة الإعلامية على حساب استقرار السودان وهيبته ، وكأنها تخاطب العدو ها أنذا قدمت لكم خدمة مجانية بإحداثيات دقيقة لضرب الموقع ، أو أنها تحاول أن تضغط على حكومة السودان بوصفها أن البشير ومن معه يتمتعون بكل وسائل الراحة وهذا ما توفره لهم الحكومة. والإحتمالية الأكثر تواتراً أن كل ما بذلته لينا يعقوب بصفتها مديرة مكتب الحدث لا يعدو عن كونه مجرد إثارة لا تمت للحقيقة بصلة.
تغطيات الحدث بإدارة مكتبها ، لم تقتصر على انتقاد السياسات أو نقل الخبر ، بل تجاوزت ذلك إلى إضعاف الثقة الداخلية عبر تصوير السودان وكأنه بلد منهار بالكامل ، بلا مؤسسات قادرة على الصمود ، والتأثير على معنويات الشعب والجيش ، بتضخيم نجاحات المليشيا وإظهار القوات النظامية في صورة عاجزة.
تسريب معلومات حساسة سواء حول تحركات أو مواقع عسكرية ، أو حتى تفاصيل شخصية لرموز سياسية سابقة ، يشكل تهديداً مباشراً للأمن الوطني. العربية والحدث تعملان على تغذية الانقسام المجتمعي من خلال التركيز الانتقائي على روايات بعينها تعمق الاستقطاب السياسي والقبلي.
الصحافة في جوهرها رسالة ، لكنها تفقد معناها إذا تحولت إلى وسيلة تخدم جهات بعينها على حساب أوطانها. ما فعلته الحدث ومديرة مكتبها لينا يعقوب يطرح سؤالاً خطيراً هل الأولوية هنا للمهنية ، أم لتصفية حسابات إقليمية عبر بوابة الإعلام ؟ إنّ استخدام لينا يعقوب لمنبرها الإعلامي لم يحقق مكاسب للسودان ، بل صب في مصلحة من يتربصون به.
خلاصة القول إن النقد الموضوعي حق مشروع ، ولا أحد يطالب الإعلام بتجميل الواقع أو إخفاء الحقائق ، لكن ما حدث ويحدث من قناة الحدث في السودان كان أبعد من النقد. كان توظيفاً سلبياً لإعلام يفترض أن يكون مستقلاً ، فتحول إلى جزء من المعركة ضد استقرار البلاد. وهنا تبرز المسؤولية الأخلاقية والوطنية للصحفي قبل أي شيء ، فحرية الإعلام لا تعني أن يكون جسراً لتمرير ما يهدد بقاء الوطن وأمن مواطنيه.
السودان يمرّ بمرحلة استثنائية ، تتطلب وعياً إعلامياً استثنائياً ، ولعل درس الحدث ومديرة مكتبها لينا يعقوب ، يثبت أن الإعلام غير الوطني أخطر أحياناً من السلاح نفسه. فعلى وزارة الإعلام وإدارة الإعلام الخارجي ضبط الإعلام غير المنضبط وسحب التراخيص من كل من يتلاعب بأمن السودان القومي ويدس السم في الدسم. وحسناً فعلت الوزارة بسحب ترخيص لينا يعقوب مديرة مكتب قناتي العربية والحدث في السودان ، ونأمل في مزيد من الضبط … لنا عودة.