الأربعاء, أكتوبر 15, 2025
الرئيسيةمقالاتمتى تتحول الحركات المسلحة في السودان إلى أحزاب سياسية؟. ...

متى تتحول الحركات المسلحة في السودان إلى أحزاب سياسية؟. بقلم: أبوعبيده أحمد سعيد محمد saeed.abuobida5@gmail.com


منذ فجر الاستقلال في عام 1956، ظلّت العلاقة بين المركز والهامش واحدة من أبرز الإشكاليات التي فجّرت الصراع في السودان. فالدولة الوطنية الناشئة ورثت مركزية خانقة، لم تنجح في استيعاب التنوّع الثقافي والإثني والجغرافي. ومن هنا انطلقت أولى موجات التمرد المسلح التي مهدت الطريق لظهور الحركات المسلحة التي تجاوز عددها اليوم المائة حركة.
البدايات: تمرد الجنوب 1955
كانت الشرارة الأولى قبيل الاستقلال مباشرة، عندما تمردت كتيبة من الفرقة الاستوائية في توريت عام 1955، احتجاجًا على التهميش وعدم الوفاء بوعود الفيدرالية. تواصل التمرد طوال عقدي الخمسينيات والستينيات، حتى توقيع اتفاقية أديس أبابا 1972 بين حكومة الرئيس جعفر نميري و”حركة آنيانيا”، والتي منحت الجنوب حكمًا ذاتيًا. لكن سرعان ما انهارت الاتفاقية مع قرارات الرئيس نميري في 1983، فعادت الحرب بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق.
من نيفاشا إلى الانفصال
استمرت الحرب الأهلية الثانية من 1983 حتى توقيع اتفاقية نيفاشا 2005، التي أنهت أطول حرب أهلية في أفريقيا، ومنحت الجنوب حق تقرير المصير، لتكون النتيجة انفصال جنوب السودان عام 2011. ومع ذلك، لم تنته الحركات المسلحة، بل تمددت إلى مناطق أخرى من السودان.
تمرد دارفور وبروز حركات جديدة
في عام 2003 اندلع التمرد في إقليم دارفور بقيادة حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، احتجاجًا على التهميش السياسي والاقتصادي. تحوّل الإقليم إلى ساحة حرب دامية، وأصبحت دارفور عنوانًا للأزمة السودانية في المحافل الدولية. ورغم توقيع اتفاقيات متفرقة مثل أبوجا 2006 والدوحة 2011، فإن كثيرًا من الحركات لم تلتزم أو انشقت إلى فصائل أصغر.
نشأة الدعم السريع: من مواجهة التمرد إلى أداة الدولة
مع تصاعد تمرد دارفور، أراد نظام الرئيس البشير إنشاء قوة قادرة على محاربة الحركات المسلحة بسرعة وفعالية. ومن هنا جاءت فكرة قوات الدعم السريع، التي أُنشئت رسميًا بقرار رئاسي في عام 2013م تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
اعتمدت هذه القوة على استراتيجية اللامركزية في الانتشار، وميزتها السرعة العالية والفزع التكتيكي في مناطق العمليات، ما جعلها أداة فعالة في مواجهة التمرد العسكري. ومع مرور الوقت، تحولت هذه القوات من أداة عسكرية دعم مباشر إلى قوة نظامية مستقلة، قبل أن تصبح لاعبًا مركزيًا في السياسة والعسكر في السودان، وهو ما أفرز تحديات جديدة أمام بنية الدولة ومؤسساتها.

النيل الأزرق وجنوب كردفان: جبهات جديدة
لم يكد يمضي وقت طويل على نيفاشا حتى اندلع النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق بقيادة الحركة الشعبية – قطاع الشمال، بقيادة مالك عقار وعبد العزيز الحلو. وهكذا أصبح السودان محاطًا بجبهات متعددة من الحركات المسلحة، تتقاطع فيها المطالب السياسية بالبعد العسكري.
اتفاق جوبا 2020: محاولة للسلام الشامل
في أعقاب الثورة السودانية 2019 وسقوط نظام الرئيس البشير، كان لا بد من فتح مسار جديد للسلام. فجاء اتفاق جوبا للسلام 2020 ليجمع عددًا من الحركات المسلحة (مثل العدل والمساواة، تحرير السودان – مني أركو مناوي، الحركة الشعبية – مالك عقار) مع الحكومة الانتقالية. لكن الاتفاق واجه تحديات في التنفيذ، بينما بقيت بعض الحركات خارج العملية (مثل جناح عبد الواحد محمد نور).
أكثر من مائة حركة اليوم
نتيجة الانقسامات والانشقاقات والتباينات القبلية والإثنية، تضاعف عدد الحركات حتى تجاوز المائة، بعضها لا يتعدى كونه مجموعات محدودة بلا ثقل عسكري أو سياسي، لكنها تظل عائقًا أمام بناء عملية سلام مستقرة.
معركة الكرامة ونقطة التحول
اليوم، وبعد أن تنتهي معركة الكرامة بإذن الله بانتصار قوات الشعب المسلحة والقوات المشتركة والقوات النظامية والمستنفرين، يقف السودان أمام لحظة فارقة: هل تبقى هذه الحركات أسرى الماضي وسلاحها، أم تنخرط في المستقبل كأحزاب سياسية مدنية؟ إن دمج هذه الحركات في الجيش الوطني هو الخطوة الأولى لبناء مؤسسة عسكرية واحدة، فيما يشكّل التحول إلى أحزاب سياسية مدنية الخطوة الثانية نحو ديمقراطية راسخة.
دروس من القارة
• في موزمبيق، تحولت حركة رينامو من متمردين إلى حزب سياسي ينافس في الانتخابات.
• في إثيوبيا، كانت جبهة التحرير الشعبية التغرانية جزءًا من السلطة السياسية بعد الكفاح المسلح.
• وفي جنوب السودان نفسه، صارت الحركة الشعبية حزبًا حاكمًا.
هذه التجارب تؤكد أن التحول من البندقية إلى صندوق الاقتراع ممكن إذا توافرت الإرادة والظروف.
خاتمة
إن مستقبل السودان لن يُبنى إلا على دولة مؤسسات راسخة، يكون جيشها الموحد هو الحارس الأمين لوحدتها واستقرارها. ومع انتهاء معركة الكرامة بانتصار القوات المسلحة وحلفائها بإذن الله، يصبح الباب مفتوحًا لدمج الحركات المسلحة في الجيش الوطني، وتحولها إلى أحزاب سياسية مدنية تطرح برامجها في ساحة السياسة. عندها فقط يتحقق الانتقال من منطق القوة إلى قوة المنطق، وينطلق السودان في مسار المصالحة والتنمية.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات