الثلاثاء, سبتمبر 16, 2025
الرئيسيةمقالاتعدالة غائبة "في زمن الحرب" من الذي قتل المعز أبو سوار؟بقلم/...

عدالة غائبة “في زمن الحرب” من الذي قتل المعز أبو سوار؟بقلم/ رؤى أبوسوار الشيخ عووضة أبوسوار

في خضم الفوضى التي عمّت البلاد عقب اندلاع الحرب، وحين تحوّل السفر إلى خارج السودان من رغبة إلى ضرورة، عمل أخي المرحوم بصمت لتسهيل تأشيرات الخروج إلى مصر، التي كانت وقتها نادرة، من خلال وكالة سفر مملوكة لوالده. لم يكن سمساراً ولا محتالاً، بل فرداً من المجتمع.

وفي الأول من أغسطس 2024، قُبض على المرحوم المعز أبو سوار الشيخ عووضة من قبل الشرطة الأمنية، وهي جهة غير مختصة أصلاً باعتقال المدنيين. لم يكن هناك بلاغ واضح، ولا شكوى من متضرر مباشر، بل بلاغ تقدم به ضابط في الشرطة الأمنية، دون أن يبين كيف تضرر أو بأي صفة قانونية يتحرك. ومنذ تلك اللحظة، بدأت رحلة الظلم، حيث أُبقي في الحبس الانفرادي لفترة من الزمن في حراسة الشرطة الأمنية، ثم نُقل إلى قسم شرطة الأوسط بمدينة بورتسودان.

تدهورت حالته الصحية داخل الحجز، واشتكى مراراً من إعياء شديد، لكن صوته لم يُسمع. وعندما انهار جسده في النهاية، نُقل إلى المستشفى في حالة غيبوبة، بدرجة وعي لا تتجاوز “3 من 15” وفقاً لإفادة طبيبة الطوارئ. وقتها كان قد فات الأوان.

وصف تقرير المشرحة بأن الوفاة ناتجة عن نوبة قلبية حادة، لكن التقرير نفسه ذكر مؤشرات تُثير الشك: نزيف في الرئتين، تضخم في الكبد والكلى، وضيق في الشرايين التاجية، رغم أن المعز كان شاباً صحيحاً في الثانية والثلاثين من عمره، بلا تاريخ مرضي. تلك المؤشرات تُشير بوضوح إلى معاناة جسدية ونفسية متراكمة، تسببت في إنهاك كامل لجسده، ومن المؤكد أنها كانت نتيجة مباشرة للإهمال، والتعذيب النفسي الذي لا يترك أثراً واضحاً لكنه يقتل ببطء.

التحقيق الرسمي الذي أجرته النيابة في وفاته اختزل الوقائع متجاهلاً تماماً ظروف الاعتقال وشرعيته، ودور الشرطة الأمنية، والمسؤولية المباشرة للضباط المناوبين ووكلاء النيابة الذين من مهامهم المرور على الحراسات حيث تجاهلوا تماماً شكواه من الآلام.

من قتل المعز أبو سوار؟ هل هو الإهمال؟ أم النظام الأمني المتفلت؟ أم الصمت؟

ما حدث ليس مأساة فردية، بل جريمة تحمل أبعاداً أخلاقية وقانونية، تستوجب التحقيق الجاد، والمساءلة الكاملة. فالمجتمع الذي يصمت عن الظلم يتحول مع الوقت إلى شريك فيه، وكرامة الإنسان لا تُصان إلا بالعدالة.

تقدمت بطلب للنيابة العامة للتحقيق حول وفاة شقيقي المعز أبو سوار، والذي توفي أثناء احتجازه في قسم شرطة الأوسط بمدينة بورتسودان. حمل القرار العديد من الإشكاليات الشكلية والموضوعية.

على الصعيد الشكلي، كان وصف المرحوم بالمتهم من أبرز الإخفاقات، لأنه توصيف غير صحيح. فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، كما أن الوفاة تُسقط الدعوى الجنائية فوراً. وخطورة هذا التوصيف لا تقف عند حد الخطأ القانوني، بل تمتد لتكشف احتمال وجود تحامل ضمني أو محاولة غير مباشرة لتحميل المتوفى مسؤولية جنائية.

كما ورد في القرار خطأ في اسم المرحوم، حيث تمت الإشارة إليه بـ“المعز سوار الشيخ” في أكثر من موضع ،بينما الصحيح هو “المعز أبوسوار الشيخ”. هذا الخطأ يُعد تجاوزاً جوهرياً، لأنه يتعلق بالهوية القانونية والإنسانية للمرحوم. وعندما يظهر مثل هذا الخطأ في مستند رسمي بهذه الحساسية، تتزعزع الثقة في دقة التحقيق ومدى العناية التي أُحيط بها هذا الملف.

أما من الناحية الموضوعية، فقد اختزل التحقيق الوقائع وتجاهل الملابسات الأساسية، خاصة ملابسات الاعتقال. لم يتم توضيح من هو الشاكي، ولا الجهة التي نفذت الاعتقال، ولا كيفية تنفيذه. وقد اتضح من إفادات الشهود أن الشاكي ضابط في الشرطة الأمنية، وأن المرحوم اعتُقل بناءً على بلاغ دون أن يكون هذا الضابط هو المتضرر المباشر. وهذه الحقيقة تثير تساؤلات جوهرية: بأي صفة تحرّك هذا البلاغ؟ ولماذا تولت الشرطة الأمنية، وهي جهة مختصة عادة بالتحقيق مع منسوبي الأجهزة النظامية؟ أين دور الشرطة الجنائية والنيابة العامة في هذه الإجراءات؟

إن التجاهل المتعمد لهذه الأسئلة يُضعف مصداقية التحقيق، ويُظهره كمستند مفرغ من الجدية والعدالة.

كما أن الاحتجاز تم بشكل غير قانوني وترافق مع معاملة لا إنسانية. ووفقاً لما توفر من معلومات ومستندات موثقة، فقد تم احتجاز المرحوم لمدة “11 يوماً” دون عرضه على النيابة أو المحكمة، في انتهاك واضح لأحكام قانون الإجراءات الجنائية. ولم تقتصر الانتهاكات على الشكل، بل امتدت إلى الجوهر، حيث احتُجز في ظروف غير إنسانية شملت انعدام الماء الصالح للشرب، وغياب الطعام، وسوء التهوية والرعاية الطبية.

وخلال فترة احتجازه، تدهورت حالته الصحية بشكل متسارع، وكان يعاني من أعراض واضحة، لكنه لم يُلقَ له بال. وقد أفادت طبيبة الطوارئ المناوبة بأن درجة وعيه لحظة وصوله إلى المستشفى كانت “3 من 15”، وهي درجة تشير إلى غيبوبة عميقة تستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً. ورغم كل ذلك، تأخرت الاستجابة الطبية ومحاولة إسعافه حتى فقد حياته.

إن أخطاء بهذا الحجم، سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعية، تفقد القرار هيبته ومصداقيته، وتُضعف ثقة المواطن في مؤسسات العدالة. فالعدالة ليست شعاراً يُرفع، بل هي منظومة متكاملة تبدأ من احترام الضحية، وتسير بالتوصيف القانوني السليم للوقائع، وتنتهي بتحقيق مستقل ونزيه، لا يكتفي بالشكل بل يغوص في المضمون. ruaaabuswar351@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات