…………………
منذ بدء تشغيل سد النهضة الإثيوبي، ظهرت في ولاية القضارف شرقي السودان ظواهر بيئية لم تكن مألوفة من قبل، أبرزها الانتشار الكثيف للفئران والآفات الزراعية. هذا التحول لم يعد مجرد قضية محلية تخص المزارعين، بل أصبح قضية أمن قومي تمس الأمن الغذائي والصحي للسودان. فالفئران ليست مجرد آفة زراعية، وإنما ناقل خطير للأمراض، وقد أثبت التاريخ أن تفشي القوارض كان وراء كوارث صحية كبرى في العالم، مثل الطاعون الأسود الذي اجتاح أوروبا في العصور الوسطى.
أولاً: العلاقة بين سد النهضة وانتشار الفئران
سد النهضة أدى إلى تغييرات جوهرية في النظام الهيدرولوجي لنهر النيل الأزرق:
- اختفاء الفيضانات الموسمية التي كانت تغمر الأراضي وتغسلها سنوياً، وهو ما كان يقلل من أعداد القوارض بشكل طبيعي.
- استقرار مستوى المياه وغياب الطمي في بعض المناطق، مما وفر بيئة مثالية لتكاثر الفئران والجراد والبعوض.
- هجرة القوارض من التلال الإثيوبية إلى أراضى أوسع وخاصة أن الحدود من السد 14ك فقط
ثانياً: الخطر الاقتصادي
تعد القضارف سلة غذاء السودان بما تنتجه من الذرة والسمسم والقطن.
غزو الفئران أدى إلى إتلاف آلاف الأفدنة الزراعية سنوياً، مما قلل الإنتاج ورفع الأسعار.
هذه الخسائر تهدد دخل المزارعين وتزيد من معاناة المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.مع الحرب الطاحنة التى صاحبتها حرب اقتصادية لتدمير العملة المحلية
إذا استمر الوضع دون معالجة، قد يصبح السودان معتمدًا على الاستيراد لتأمين غذائه، وهو ما يفتح بابًا لضغوط سياسية خارجية.والركوع أمام المنظمات الدولية
ثالثاً: الخطر الصحي وانتقال الأمراض
الفئران معروفة تاريخياً بأنها مستودع للأوبئة:
في العصور الوسطى، تسببت في نقل “الطاعون الأسود” الذي أودى بحياة ثلث سكان أوروبا.
تنقل الفئران أمراضًا مثل:
الطاعون الدملي (ما زال يظهر في بعض مناطق العالم).
الحمى النزفية.
التيفوس.
السالمونيلا والتسمم الغذائي.
اللشمانيا وأمراض الطفيليات.
في ظل ضعف البنية الصحية في شرق السودان، فإن أي تفشٍ وبائي ناتج عن الفئران قد يؤدي إلى كارثة إنسانية.
رابعاً: كيفية مكافحة هذه الآفة
لمواجهة خطر الفئران في القضارف، لا بد من خطة قومية شاملة تشمل:
- المكافحة البيولوجية: إدخال أعداء طبيعيين للفئران مثل القطط أو بعض الطيور الجارحة.
- المكافحة الكيميائية: استخدام المبيدات والمصائد بشكل منظم ومدروس لتقليل أعدادها.
- تحسين إدارة المخزون الزراعي القديم وتحديثه عبر تخزين الحبوب في صومعات جديدة محكمة الإغلاق فى المحليات لمنع وصول الفئران إليها.
- توعية المزارعين: بكيفية حماية محاصيلهم ومنازلهم من تسلل القوارض.
- إنشاء مركز قومي لمكافحة الآفات في ولايات الإنتاج الزراعي، خاصة القضارف.
خامساً: البعد الاستراتيجي
إذا استمر تجاهل هذه المشكلة، فإن آفة الفئران قد تتحول إلى تهديد استراتيجي للأمن القومي.
الخطر ليس فقط على الغذاء والاقتصاد، بل أيضًا على صحة المواطنين واستقرار المجتمع.
معالجة هذه الأزمة تحتاج إلى تعاون بين وزارات الزراعة والصحة والبيئة والدفاع والداخلية ، لأن القضية أصبحت تتجاوز حدود المحلية والإقليمية
إن ما يحدث في القضارف اليوم ليس مجرد صدفة طبيعية، بل هو نتاج مباشر لتغيرات بيئية أحدثها سد النهضة. انتشار الفئران بهذا الشكل ينذر بمرحلة خطيرة إذا لم تتم معالجته بخطة علمية وعمل وطني مشترك. ولعل التاريخ يعيد تذكيرنا بأن الأوبئة التي نقلتها الفئران كانت كفيلة بتغيير وجه قارات بأكملها. فهل ننتظر الكارثة أم نواجه الخطر قبل وقوعه؟
حفظ الله السودان شعبا وارضا
والله المستعان
عبدالشكور حسن احمد
المحامى