الأربعاء, أكتوبر 15, 2025
الرئيسيةمقالاتمن قاعات الإعلام إلى ميادين التحدي.. رحلة صحفي لم تكسره الإعاقة️ ...

من قاعات الإعلام إلى ميادين التحدي.. رحلة صحفي لم تكسره الإعاقة️ . بقلم: أنس الزبير


ليست كل الحكايات تبدأ بالضعف وتنتهي بالقوة، لكن قصتي بدأت بحلم صغير في قاعات كلية الإعلام بجامعة وادي النيل، ثم تحولت إلى رسالة أكبر من حدود القلم والكاميرا. كنت شاباً يطمح أن تكون الكلمة طريقه نحو التغيير، فتخرجت في تخصص الصحافة والإعلام، وانطلقت بين الميدان والصفحات أتنفس المهنة ثمانية أعوام كاملة، أحمل هموم الناس وقضاياهم.
من أبرز محطاتي المهنية كانت صحيفة الوطن السودانية، حيث عملت إلى جوار مالكها و رئيس تحريرها الراحل سيد أحمد الخليفة، المعروف بلقب “ملك الأخبار”. بقسم الولايات مع الاستاذ احمد الشريف عثمان والذي كان دوما يقدم لي نصائح مكنتني من تطويع المفردات في الكتابة الصحفية هناك تعلمت أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل مسؤولية ورسالة، وأن الصحفي الحق هو من يكون عين الناس وصوتهم.
ولم يكن طريقي وحيداً؛ فقد وجدت بجانبي زملاء وأصدقاء أثروا تجربتي. كان من بينهم الصديق العزيز الاستاذ محمد دفع الله، الذي شكّل دعماً مهنياً وإنسانياً، وظل قريباً من مسيرتي، نقتسم معاً شغف الصحافة ونقاشاتها، ونشجع بعضنا على أن يكون للكلمة وقعها وأثرها.
بعد تلك التجارب، انتقلت إلى هيئة التأمين الصحي بولاية الخرطوم، متنقلاً بين إداراتها حتى وصلت إلى قسم الإعلام. ثم حملت حقيبتي إلى المملكة العربية السعودية حيث خضت تجربة مختلفة في عالم التسويق، حياة جديدة لكن القدر كان يخبئ امتحاناً صعباً.
في مدينة حائل، تعرضت لحادث سقوط عنيف غيّر مسار حياتي تماماً؛ كسور في العمود الفقري والصدر والرأس والقدم، وفقدان ذاكرة امتد لأربعة أشهر. وعندما عدت للوعي، وجدت نفسي في واقع جديد، رفيقي فيه “الكرسي المتحرك”. لحظة قاسية قلبت حياتي، لكن إلى جانب الألم كانت هناك أيادٍ رحيمة.
من أبرز من وقفوا معي كان الدكتور فاروق بن عامر الحمدان، أخصائي جراحة العمود الفقري، الذي قال لي جملة صارت نبراساً لطريقي: “إصابتك ليست في عقلك ولا في قلمك… عملك يحتاج الإرادة لا الجسد.”
كما وجدت سنداً في قامة صحفية رفيعة، الأستاذ صلاح الدين مصطفى، صاحب عمود “نبض الأشياء”، الذي تميز بلغته العميقة ومكانته المهنية. كان يزورني باستمرار، يشجعني على العودة للكتابة، يراجع مقالاتي قبل أن أنشرها، ويمنحني الثقة من جديد في قلمي.
وهكذا، لم تكن الإعاقة نهاية، بل بداية رسالة جديدة. عدت إلى الصحافة بوعي مختلف، أحمل هماً إنسانياً أكبر: أن أكتب عن قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، أن أنشر قصص نجاحهم وتحديهم للاعاقة وهمومهم ومختلف قضاياهم، وأن أدافع عن حقوقهم.
الإعاقة ليست عجزاً، بل فرصة لاكتشاف القوة الكامنة بداخلنا. ومن هنا رسالتي للمجتمع: لا تنظروا إلى الأشخاص ذوي الإعاقة بعين الشفقة، بل بعين الاحترام، فهم قادرون على الإنجاز والعطاء. ورسالة أخرى لإخوتي وأخواتي من ذوي الإعاقة: لا تسمحوا لأحد أن يحبسكم في دائرة العجز الوهمية، بل كونوا شركاء حقيقيين في صناعة المستقبل .
لقد علمتني التجربة أن القوة الحقيقية ليست في الأقدام التي تمشي، بل في الإرادة التي تصنع النجاح. ومن قاعات الإعلام إلى ميادين التحدي، كانت رحلتي شاهداً على أن الحياة تتسع لمن يصر على الاستمرار مهما كانت العقبات، وأن القلم يظل قادراً على البوح وإشعال الضوء ولو جلس صاحبه على كرسي متحرك

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات