مما لا شك فيه أن المطارات تمثل شريان الحياة لأي دولة، فهي لم تكن ممرات للطائرات أو صالات للمسافرين فقط، بل هي الواجهة الأولى التي تعكس صورة البلد أمام العالم واامرآة ااتي تعكس مستوى تقدمه وتنظيمه. المطار هو بوابة البلاد نحو الخارج وركيزة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومحرك للتجارة والسياحة، كما أنه أحد أهم مشروعات البنية التحتية التي تعكس مكانة الدولة وقدرتها على التواصل مع العالم.
غير أن مطار الخرطوم الدولي، الذي كان يوماً ما نافذة السودان إلى العالم، تعرض خلال سنوات الحرب هذه لدمار ممنهج وخراب واسع أخرجه تماماً عن الخدمة، وترك فراغاً كبيراً في حركة السفر والنقل الجوي. ومع ذلك فإن مقولة “رب ضارة نافعة” تجد هنا معناها الحقيقي، إذ أن إعادة تشغيله بعد هذا الانقطاع مع أهميتها ما كانت عودة إلى ما كان ، إنما فرصة تاريخية لبناء مطار حديث يواكب تطلعات الحاضر ويستجيب لمتطلبات المستقبل.
لقد بدأت أعمال الصيانة وإعادة التأهيل، وهذه خطوة محمودة، لكن الخطر يكمن في أن يتحول الحماس إلى استعجال فإن التسرع في إعادة التشغيل دون استكمال عملية التحديث قد يعيد إنتاج المشكلات السابقة مثل ضيق الصالات وقلة عددها، نقص أجهزة الرقابة والسلامة، ضعف شبكات الاتصال، ومحدودية الطاقة الاستيعابية وغيرها من الإشكالات ..
إننا اليوم أمام مفترق طرق وتحديات جسام إما أن نعيد تشغيل المطار كرمز معنوي يعكس عودة النشاط أو أن نستثمر الوقت والجهد لبنائه بأحدث التقنيات والمعايير العالمية ولنبدأ من حيث انتهى الآخرون، لا من حيث توقفنا نحن. والمطار الجديد يجب أن لا يكون مبنى فحسب بل منظومة متكاملة من الخدمات الذكية، والإجراءات الميسرة، والبنية التقنية القادرة على استيعاب النمو المستقبلي في حركة النقل الجوي.
إن إعادة تشغيل مطار الخرطوم ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لإعادة رسم صورة السودان أمام العالم، وبوابة لانطلاقة اقتصادية وسياحية جديدة. ولعل الصبر في هذه المرحلة هو استثمار طويل المدى، يضمن أن يكون المطار القادم ليس بوابة عبور فقط، بل شاهداً على إرادة بناء وطن يستحق الأفضل بإذن الله تعالى.