الخميس, أغسطس 7, 2025
الرئيسيةمقالاتإغلاق المجال الجوي أمام السودان: الإمارات تتجاوز عتبة التصعيد العلني ...

إغلاق المجال الجوي أمام السودان: الإمارات تتجاوز عتبة التصعيد العلني بقلم/ د.إسماعيل الحكيم


أعلنت السلطات الإماراتية إيقاف جميع الرحلات الجوية القادمة من السودان إلى أبو ظبي في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة وتصعيد يُنذر بتفاقم التوتر السياسي والدبلوماسي بين الخرطوم وأبو ظبي. ولم تُرفق الخطوة الإماراتية بتوضيحات رسمية مُقنعة، ما فتح الباب واسعًا أمام قراءات سياسية وأمنية ترى في القرار إعلانًا صريحًا عن انخراط أبو ظبي في مسار عدائي مباشر تجاه الدولة السودانية.
فلقد ظل الدعم الإماراتي لمليشيا ” متواصلاً لقوات الدعم السريع” طيلة الحرب المشتعلة في السودان مما كان موضع انتقاد واسع محليًا وإقليميًا ودوليًا خاصة بعد أن تكشّف للرأي العام العالمي والمحلي حجم الانخراط الإماراتي في تقديم الإسناد اللوجستي والتمويل المالي بل وتسهيل انتقال المرتزقة عبر قواعد عسكرية خارجية للدعم السريع . وتشير تقارير دولية متعددة – منها ما صدر عن الأمم المتحدة – إلى تورط مباشر للإمارات في خرق قرارات حظر التسليح، بما يخالف القانون الدولي ويضع الدولة الخليجية في موقع المساءلة القانونية.
وبحسب مصادر رسمية كذلك فقد اتخذت الحكومة السودانية خطوات متقدمة في هذا الاتجاه حيث رفعت عدة ملفات إلى الهيئات القضائية والحقوقية الدولية متضمنةً وثائق موثقة وأدلة رقمية تُثبت الانتهاكات الإماراتية بحق سيادة السودان ووحدته الوطنية. وهذل ما عبّرت عنه وزارة الخارجية السودانية في وقت سابق واستغرابها من ما وصفته بـ”النهج غير الأخلاقي” لبعض الدول التي تُغذي آلة الحرب وتُطيل أمد الصراع لتحقيق أجندات إقليمية ضيقة متناسية ماضي حافل بالعطاء بين البلدين .
فلم ولن بكن قرار إيقاف الطيران إجراء فني أو احترازي مؤقت ، بل يحمل دلالات استراتيجية خطيرة، فهو يُمثّل – ولأول مرة – انتقالًا من دعم غير معلن إلى موقف عدائي واضح تُجاهر فيه الإمارات بعدائها للدولة السودانية. وتأتي هذه الخطوة في وقت بالغ التعقيد حيث يعتمد الاقتصاد السوداني جزئيًا على تحويلات المغتربين والتبادل التجاري ويُعدّ خط الطيران نحو أبو ظبي من أبرز مسارات الحركة بين السودان والخليج.
كما أن الإحصاءات تشير إلى أن عدد السودانيين العاملين في دولة الإمارات يتجاوز ال 80 ألف شخص، وتُقدّر تحويلاتهم السنوية بنحو 500 مليون دولار أمريكي. وبالتالي، فإن هذا الإجراء من شأنه أن يُربك حركة التنقل، ويؤثر سلبًا على العائلات السودانية التي تعتمد على دعم أبنائها في الخارج، فضلًا عن تأثيره المباشر على شركات الطيران، وسوق السفر والسياحة وكلها ظلت تعاني من ويلات وتبعات الحرب.
أما من الناحية الدبلوماسية، فإن إغلاق الأجواء أمام السودان فهذه سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات بين البلدين، مما يفتح الباب أمام احتمالات تدهور أكبر قد يصل إلى قطع العلاقات أو طرد البعثات الدبلوماسية حال تمادي الإمارات في مواقفها العدائية البينة هذه ..
وما يزيد الأمر خطورة أن هذا التصعيد يتزامن مع تحركات نشطة للخرطوم في المحافل الدولية، حيث تُحشد الجهود لتوثيق الجرائم المرتكبة من قبل مليشيا الدعم السريع، وتحديد الأطراف المتورطة في تمويلها وتوفير الغطاء السياسي لها، وهو ما تعتبره أبو ظبي تهديدًا مباشرًا لموقعها الإقليمي.
قد يبدو للوهلة الأولى أن قرار إيقاف الطيران لا يتعدى كونه إجراءً سياديًا، لكنّ توقيته، وسياقه السياسي، ودلالاته العلنية، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الإمارات قد وضعت نفسها في مربع الأعداء، وأن السودان بات في مواجهة مفتوحة ليس فقط مع مليشيا داخلية متمردة إنما مع محور إقليمي متورط في تمزيق وحدته الوطنية.
وإذا كانت الحرب قد كشفت عن بشاعات السلاح، فإن القادم – في ظل هذا التصعيد – قد يُفصح عن حرب دبلوماسية واقتصادية تتطلب من السودان توحيد جبهته الداخلية، وتعزيز تحالفاته الدولية، وتوثيق جرائم العدوان، ليُدافع عن حقه المشروع في السيادة والعدالة والكرامة.
ويبقى السؤال الكبير
هل كانت أبو ظبي تتوقع أن إعلان حربها العلني سيقابل بالصمت؟ أم أنها فتحت على نفسها أبواب المساءلة الدولية التي لن يُغلقها سوى الحقيقة؟

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات