ما عدنا نندهش ، فقد بلغنا زمناً تغدو فيه الوقاحة مبدأ ، والكذب بالحيل خطاباً سياسياً ، وتصبح فيه المليشيا القاتلة حليفاً مشروعاً ، بينما يُطالب بتصنيف من ناهضوها وناضلوا ضدها ، ودفعوا من دمائهم عن أرضهم وشعبهم كإرهابيين ، هذا بالضبط ما فعلته جماعة صمود ، التي خرجت علينا بلا خجل ، بتصريح تطالب فيه بتصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كتنظيمات إرهابية.
حين قرأت التصريح لأول مرة ، حككت رأسي ، لعلّني أكون أسأت الفهم أو التبس عليّ الأمر ، أعدت القراءة مراراً ، فقلت ربما المقصود المليشيا ، لأن التصنيف أشبه بها ، لكن الكلمات لم تتغير ، والمفارقة الوقحة ظلت قائمة كما هي ، فكيف بمن يضع يده في يد المليشيا ، ويصمت عن كل جرائمها ، ثم يرفع عنقرته مطالباً بتصنيف من يقاومونها كإرهابيين.
صمود لم تُدن المليشيا يوما ، لم تكتب سطراً واحداً في حقها ، لم تصفها بالمرتزقة ، ولا بالمليشيا المجرمة ، ولا حتى بالطرف المعتدي ، بل على العكس ، اكتفت دوماً بترديد عبارة رمادية جوفاء “طرفا النزاع” ، وكأنها تقارن ما بين جيش نظامي يحاول الحفاظ على وحدة الدولة ، وبين مليشيا إرهابية تمارس القتل والنهب والاغتصاب تحت غطاء إماراتي قذر.
أي خطاب سياسي هذا ، وأي ضمير إنساني ذاك الذي لا يرى المجازر ، والجرائم التي ارتكبتها هذه المليشيا في حق الشعب السوداني ، من دارفور إلى الخرطوم إلى الجزيرة إلى سنار وكردفان ، لم نسمع من صمود تنديداً باغتصاب النساء ، ولا برمي الشيوخ من المنازل ، ولا بسرقة البيوت والمحال التجارية ، ولا حتى بحصار الفاشر وتجويع اهلها ، أو مجازر ود النورة والسريحة ، هل كل هذا لا يستحق منهم سوى صمت بارد ، ووصف بائس بطرفي النزاع.
اللافت أن الجماعة التي تطالب الآن بتصنيف الإسلاميين كإرهابيين ، لم تنزعج من مشاركة المرتزقة من جنسيات عدة مع المليشيا ، بل إنزعجت من أن شباب الإسلاميين وطلابهم ، الذين كانوا في مقدمة الصفوف منذ اليوم الأول للحرب ، يناهضون مشروع الدقلاوية المدعوم من الخارج ، ويقودون المعارك في الأطراف والمدن ، ويتصدرون العمل المدني والإنساني ، في الداخل والخارج.
ربما هذا بالضبط ما أزعج صمود ، فشباب الإسلاميين رغم كل ما يُقال عنهم لم يهربوا من الحرب ، ولم يختبئوا خلف البيانات ، ولم يهادنوا القتلة ، وقفوا بشجاعة ، ففضحوا تواطؤ المتخاذلين ، وأسقطوا وهم الحكم القادم على ظهر المليشيا.
ذلك ما يؤلمهم ، وذلك ما دفعهم في لحظة وجع سياسي مكشوف ، إلى المطالبة بتصنيف المدافع عن عرضه ووطنه كإرهابي ، وغض الطرف عن المجرم الحقيقي ، الذي ما زالت يداه تتلطخ بدم الأبرياء العزل.
فلتصمت صمود ، فقد سقط القناع ، سقط حين انحازت ، وسقط حين سكتت، وسقط الآن وهي تطالب بتصنيف من دافع عن البلاد كإرهابي ، بينما لا تزال تمسح دماء الشهداء من على كف المرتزقة.
التاريخ لن ينسى ،
والشعب يعرف جيداً من صمت ، ومن قاوم ، ومن هو أحق بأن يصنف كإرهابي ويصلب في الميادين العامة…لنا عودة