من رأي ليس كمن سمع.. جلست الي والي الخرطوم بمكتبه لأنقل لقارئ الكريم نبض الخرطوم العاصمة من قلب الرجل دون قيد أو شرط فمنذ اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم قبل عامين، كان والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة أحد أبرز الشخصيات التي بقيت في قلب الأحداث متمسكاً بوجوده في العاصمة، في وقت غادر فيه كثيرون خشية الانفلات الأمني والاستهداف المباشر لإيمانه القاطع بنصر آت ٍ بإذن الله تعالى.. وعلى مدى عامين ويومين، عاش الوالي بين أصوات الرصاص والقصف وتعرّض لمحاولات استهداف ممنهجة كادت تؤدي بحياته أكثر من مرة. غير أنّ بقاءه لم يكن محض تحدٍّ شخصي، بل كان خياراً استراتيجياً حمل في طياته رؤية طموحة لإدارة الأزمة، ثم تهيئة الأرضية لمرحلة ما بعد التحرير الذي تحقق في السابع عشر من أبريل 2025م.
ومن بداية الحرب أنشأ الوالي غرفتين مركزيتين واحدة للطوارئ وأخرى للعمليات لتكونا بمثابة جهاز تنسيق ميداني لإدارة الخدمات في ظل ظروف شديدة القسوة وبالغة التعقيد عبر خطة للإعمار متفردة ومتميزة . ووفق إفادات من مقر الولاية، فإن الغرفتين عملتا على توفير خدمات الكهرباء والمياه والعلاج، إضافة إلى متابعة انسياب السلع الاستهلاكية في الأسواق، وتعبيد بعض الطرق الرئيسة استعداداً لفصل الخريف باعتبار أنها الضروريات التي لابد منها .
هذا الجهد بحسب متابعين للشأن المحلي كان محاولة لموازنة معادلة صعبة بين استمرار الحياة المدنية من جانب وفي الآخر تخوض فيه القوات المسلحة معارك شرسة لتحرير العاصمة.
وقبل وبعد إعلان تحرير الخرطوم، طرح الوالي خطة إعمار شاملة وُصفت بالطموحة استهدفت معالجة الخراب الواسع الذي أصاب البنية التحتية والمؤسسات الخدمية. فالخطة التي وُضعت بالتوازي مع العمليات العسكرية امتازت بالمرونة وقرأة المستقبل وتتماشى مع ما أسماه الوالي “أنفاس النصر”، فكانت مفتاحاً لإعادة بناء المدينة بمؤسساتها وطرقها، وتطوير الخدمات بما يفوق ما كان قائماً قبل الحرب.
ورغم وضوح الرؤية وتشمير ساعد الجد يواجه الوالي وحكومته تحديات بالغة التعقيد مما لا تخطئه عين او يتجاوزه منصف فالخرطوم وفق تقديرات أولية تعرّضت لدمار واسع في أحيائها ومرافقها الخدمية الاساسية إضافة إلى نزوح أعداد كبيرة من سكانها ما يجعل عملية الإعمار رهينة بتعاون محلي واسع ودعم مركزي فعّال.
خبراء في إدارة الأزمات يشيرون إلى أنّ نجاح الخطة يعتمد على ثلاث ركائز أساسية ..
- تأمين الموارد المالية لإعادة الإعمار.
- تعبئة المجتمع المحلي للمشاركة في الجهود التطوعية والخدمية.
- إرساء مؤسسات حاكمة رشيدة تمنع تكرار سيناريو الانهيار في المستقبل.
- يرى مراقبون أن تجربة أحمد عثمان حمزة تميزت بثنائية واضحة ففي الوقت الذي كان الجيش يخوض معركة التحرير وكنس المليشيا من الخرطوم وباقي المدن ، كان الوالي يحاول الإمساك بخيوط الحياة المدنية، حاملاً “معاول الإعمار” في مواجهة الخراب.
وهذا التوجه، وفق مقربين منه، يستند إلى قناعة بأن النصر العسكري يفقد قيمته إن لم يتبعه مشروع مدني ينهض بالمدينة ويعيد للإنسان كرامته واحتياجاته الأساسية.
اليوم وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في العاصمة، يجد والي الخرطوم نفسه أمام مسؤولية تاريخية عظيمة فالمعركة القادمة ليست ضد الرصاص ، إنما ضد آثار الدمار ومخلفاته . وهنا يبرز سؤال جوهري هل سيجد الرجل الدعم الشعبي والمؤسسي الكافي لإنجاز مهمته؟
المؤشرات الأولية تعكس استعداداً لدى شرائح واسعة من أبناء الخرطوم لتقديم المبادرات والمساندة، لكن حجم التحدي يظل أكبر من أي جهد فردي. فالخرطوم بتاريخها ومكانتها، تحتاج إلى تكاتف الجميع حتى تعود أفضل مما كانت. ويد الله مع الجماعة ..