السبت, أغسطس 2, 2025
الرئيسيةمقالاتندى الحروف ...

ندى الحروف ابراهيم محمدنور يكتب… وطن يُسرق أمام أعيننا… فهل من ضمير حي؟

ليس من المبالغة القول إن السودان يُنهب، لا من جهة واحدة، بل من كل الاتجاهات. يُسرق تاريخه، تُنهب ثرواته، وتُنهك روحه. لقد امتدت أيادي الخراب إلى قلب الحضارة، إلى المتحف القومي السوداني، ذلك الرمز العتيق الذي ظل لعقود يحرس ذاكرة هذا الشعب. المتحف لم يكن مجرد مبنى، بل كان مرآة لتاريخ آلاف السنين، مرآة لوجه السودان الأصيل، الممتد من حضارة كوش إلى عظمة الممالك النوبية.
ُنهب المتحف كما ُنهب الوطن، وتُسرق القطع الأثرية كما يُسرق ذهب البلاد ونفطها وأرضها.
كما قالت الشاعرة روضة الحاج: “يسرقون الكحل من عين القصيدة”، ونحن اليوم نُسرق من أعماق ذاكرتنا، من صميم وجداننا.
يُسرق منا الحاضر، وتُغتال ملامح المستقبل.
هذه الحرب ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي جريمة في حق الإنسان، والحضارة، والتاريخ، والكرامة.
جريمة تطال الحجر والبشر، تحرق الكتب والقلوب، وتغتال الأرواح، وتقطع الكهرباء عن المستشفيات، تاركة المرضى يصارعون الألم والموت في عتمة العجز. كم من مريض فَقَد حياته بسبب انقطاع التيار الكهربائي؟ كم من طفل مات لأن أجهزة التنفس توقفت؟ كم من أمٍّ فقدت وليدها لأن الحاضنة انطفأت؟
إن ما يعيشه الشعب السوداني اليوم لا يمكن تحمّله، ولا يمكن السكوت عنه.
لقد أصبحنا شعباً يُقتل ويُشرّد ويُجوّع، وفي ذات الوقت يُسلب من تاريخه ومقدراته.
أين الضمير العالمي؟ أين مؤسسات الثقافة العالمية التي تدّعي حماية التراث الإنساني؟ أين الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو؟ لماذا يصمت العالم بينما تُنهب آثار السودان وتُباع في أسواق الظلام؟
تحية لقوات الشعب المسلحة السودانية، صمام أمان هذا الوطن، وحُماة الأرض والعرض والتاريخ.
فرغم شراسة المؤامرات، يبقى الجيش السوداني الحصن الذي يلتف حوله الشعب لحماية ما تبقى من الكرامة والسيادة.
ورغم الألم، يبقى الأمل فينا، نحن السودانيين، الذين لا تنكسر إرادتهم.
فالسودان، رغم كل شيء، بلد عظيم، بشعبه، وبأرضه، وبإرادته.
ما الحل؟ وكيف ننهض من هذا الحطام؟
أولاً: لا تنمية مع الحرب،التنمية تحتاج إلى استقرار، والاقتصاد لا ينهض والدولة في حالة نزيف مستمر.
ثانياً: حماية ما تبقى من التراث والآثار، يجب تكوين لجنة وطنية من المؤرخين والعلماء والمثقفين، بالتعاون مع الجهات المعنية، لحصر ما فُقد، وتوثيق ما تبقّى، ووضع خطة لحمايته، واستعادته إن أمكن.
ثالثاً: وقف نهب الموارد الطبيعية،يجب تتبع شبكات تهريب الذهب والموارد الأخرى، واستعادتها تحت إشراف دولة مؤسسات حقيقية، قادرة على المحاسبة والرقابة.
رابعاً: دعم القطاع الصحي بالكهرباء والمولدات البديلة، على المنظمات الإنسانية والجهات المعنية أن تضع أولوية قصوى لتأمين التيار الكهربائي في المستشفيات ومراكز العلاج، خاصة في المناطق المتأثرة بالحرب.
خامساً: التكاتف الشعبي والوطني، لا خلاص دون وحدة الصف. علينا أن نُقدّم الوطن على الولاءات الضيقة، وأن نتكاتف لحماية ما تبقّى، وإعادة بناء ما تهدّم.
قد يسرقون كنوزنا، وقد يغتالون أحلامنا، لكنهم لن ينتزعوا منّا انتماءنا لهذا الوطن.
لن يسرقوا أرواحنا النابضة بحب السودان. لن يطفئوا نور حضارتنا.
رحم الله السودان الذي عرفناه، وبارك في السودان الذي سنبنيه من جديد… على أنقاض الصمت، وبدموع الوفاء، وبأمل لا يموت.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات