الخميس, يوليو 31, 2025
الرئيسيةمقالاتحسين خوجلي… بين الحاضنة والانفصال صوت لم يخفت. ...

حسين خوجلي… بين الحاضنة والانفصال صوت لم يخفت. بقلم: حمد يوسف حمد

في المشهد الإعلامي والسياسي السوداني، قلّما تجد شخصية تثير الجدل وتستعصي على التصنيف مثل حسين خوجلي. إعلامي، أديب، إسلامي الهوى، قومي النبرة، وشاعر يتقن التلاعب بالكلمات ليزرعها في وجدان الناس، ثم يقطف منها مواقف وآراء لا تُنسى، حتى وإن اختلف معها البعض.

من “ألوان” إلى أم درمان

انطلقت رحلة حسين خوجلي المهنية من بوابة الصحافة، حين أسس صحيفة ألوان في ثمانينات القرن الماضي، والتي تحوّلت سريعًا إلى منبر شعبي بامتياز، لا يخلو من جرأة سياسية ونقد لاذع، ساهم في صنعه قلم حسين وخياله اللغوي المتقد.

ألوان لم تكن مجرد صحيفة، بل كانت رسالة فكرية يومية، تتداخل فيها السياسة بالشعر، والتاريخ بالفن، والعقيدة بالهوية السودانية الأصيلة. لكنها – كسائر المشاريع الجريئة – لم تسلم من التضييق والمنع، فتم إغلاقها أكثر من مرة، لكنها دائمًا ما تعود بصوت أعلى.

في وقت لاحق، أسس قناة أم درمان الفضائية، وقدم عبرها برنامجه الشهير “مع حسين خوجلي”، والذي أصبح ملتقى للسياسة والثقافة والفكر الشعبي، وفيه كشف عن تحولاته الفكرية، ووجه انتقادات لاذعة للنظام الذي كان جزءًا من حاضنته الأولى.

حسين الإسلاميين الغاضب

عرف خوجلي بانتمائه المبكر للحركة الإسلامية، وكان أحد منظّريها الشباب في الثمانينات، بل ومن أبرز الداعمين لانقلاب الإنقاذ عام 1989. لكنه بمرور الوقت بدأ في مراجعة المواقف، وعبّر عن استيائه من “الانحراف عن المشروع الإسلامي”، كما وصفه.

لم تكن مراجعاته فكرية فحسب، بل تحولت إلى خطاب عام عبر الصحافة والقنوات، دعا فيه إلى إصلاح شامل ومواجهة للفساد والتغول على مؤسسات الدولة، مما وضعه في مرمى نيران السلطة التي ضاقت به ذرعًا.

اللسان الساخر والذاكرة الشعبية

يمتاز خطاب حسين خوجلي بطابعه الخاص: ساخر، أدبي، قريب من الناس، يمزج بين “الحكمة الصوفية” والنقد السياسي. لا يكتب كما يكتب الآخرون، ولا يتحدث كما يتحدث السياسيون. بل يكتب كما لو أنه يروي حكاية، ويحكي كما لو أنه يُنشد شعراً. لذلك وجد له جمهورًا واسعًا بين العامة، والمهتمين بالثقافة الشعبية.

صوت غير مهادن

رغم خروجه من الحاضنة السياسية القديمة، إلا أن خوجلي لم يسعَ للالتحاق بالمربع الثوري بالمعنى الكلاسيكي. ظل يحتفظ بمواقفه الخاصة، ويرى أن الوطن يحتاج إلى “بعث جديد” يتجاوز الشعارات، ويُعيد تعريف السياسة على أساس القيم لا المصالح.

هو لا يتردد في مهاجمة النخب السياسية كافة – إسلامية ويسارية – ويرى أنهم خذلوا الوطن والشعب على حد سواء.

خاتمة… تجربة تستحق التوثيق

قد يختلف الناس حول حسين خوجلي: أهو من رجالات الإنقاذ النادمين؟ أم من الحالمين بوطن أجمل؟ أهو ناقد من الداخل أم خصم متأخر؟ لكن ما لا يُمكن إنكاره هو أن صوته ترك أثرًا، وأن مدرسته الإعلامية الممزوجة بالشعر والتاريخ والتراث، ساهمت في تشكيل وعي شعبي لن يغيب.

إن تجربة حسين خوجلي، بما فيها من تناقضات، هي مرآة للمشهد السوداني نفسه: حافلة، متقلبة، لكن مليئة بالحياة والمواقف، وتستحق أن تُروى للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات