ذات مساء في قرية روسية، اكتشف المحقق أن قطارًا كان على وشك الانقلاب، ليس بسبب عمل تخريبي منظم، بل نتيجة “عادة” بسيطة: فك صواميل الفلنكات لتثبيت شباك الصيد أو صناعة الأقفال… عادة تحولت إلى تهديد لحياة المئات. الغريب أن الفاعلين لم يكونوا مجرمين محترفين، بل كانوا أناسًا فقراء، تعلموا كيف يتقاسمون الخطر دون أن يشعروا أنهم يسرقون. الطفل الذي لم يحضر درس الفيزياء كان القشة التي قصمت ظهر القطار.
هكذا تبدأ الكوارث يا سادة… لا من حيث نتوقع، ولكن من حيث أهملنا التعليم، وسكتنا عن الفقر، وغضضنا الطرف عن تشوهاتٍ صغيرة حتى أصبحت ثقافة.
السودان… بلد الصواميل المفكوكة
لو نظرنا حولنا اليوم في السودان، لوجدنا “صواميل كثيرة قد فُكّت”:
صامولة في منظومة التعليم، حين يجلس الطفل في الفصل بلا كتاب، أو يُطرد لعدم دفع الرسوم.
صامولة في الصحة، حين لا يجد المريض دواءً إلا في السوق الأسود.
صامولة في العدالة، حين يُفلت القوي من العقاب، ويُدان الضعيف بلا محاكمة عادلة.
صامولة في القيم، حين يصبح الكذب شطارة، والغش براعة، والفساد أسلوب حياة.
مثل أهل تلك القرية، اعتدنا على سرقة “صواميل القطار” وتوهمنا أن القطار لن ينقلب، طالما نترك صامولة ونفك أخرى. لكننا ننسى دومًا أن الطفل الذي لم نعلمه ولم نطعمه، قد يأتي يومًا ويفك صامولتين متجاورتين… وتحدث الكارثة!
أيها المسؤولون… لا تسدّوا الثغرة بالحراسة فقط!
الحل لا يكون فقط بالحراسة والردع، بل بالتعليم العميق، والعدالة الراسخة، والاقتصاد الذي لا يُقصي أحدًا.
لا تمنعوا الناس من السرقة فقط، بل علّموهم لماذا لا ينبغي أن يسرقوا.
لا ترفعوا الرواتب مؤقتًا، بل ابنوا نظامًا اقتصاديًا يكرم العمل ويمنح الفرصة للجميع.
لا تستهينوا بـ”صامولة واحدة”، فقد تكون بداية النهاية.
درس الفيزياء الذي لم نأخذه
درس الفيزياء الحقيقي، ليس في توزيع الأحمال على شريط القطار… بل في فهم كيف تتوزع المسؤوليات في وطنٍ يعاني. إذا فُكّت الصواميل من الأطراف ولم تُعالج، فسوف ينقلب القطار، وسنصرخ جميعًا متأخرين: “أوقفوا القطار”، ولكن حينها يكون قد فات الأوان.
رسالة إلى الشعب السوداني
أيها المواطن… إن عجز النظام عن حماية القطار لا يعطيك الحق في فك الصامولة. ربما تكون مضطرًا، ربما تكون مظلومًا… لكن تذكر دومًا: هناك من يركب القطار معك، من أسرتك، من جيرانك، من أطفال وطنك.
رسالة إلى الحكومة
إن لم نعلم أبناءنا منذ الصغر ما معنى الصامولة، وما يعنيه القطار، فستأتي الأجيال القادمة وتفك الصواميل دون أن تدري… وينقلب السودان كله.
فليكن لكل منا صامولته التي يحميها، لا تلك التي يفكّها.