الأربعاء, يوليو 30, 2025
الرئيسيةمقالاتالفاشر تُباع بالصمت… وأمام التاريخ لا عذر لمن تأخر" ...

الفاشر تُباع بالصمت… وأمام التاريخ لا عذر لمن تأخر” بقلم: عبير نبيل محمد


﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ﴾
النساء – 75


يصعب عليّ أن أكتب، وأصعب منه أن ألتزم الصمت.
أنا التي كنت أبعث الأمل وأعلن بشريات النصر،
أجدني اليوم أكتب وقلبي مُثقل، والحبر مُبلّل بندوب الفاشر.

الفاشر لا تنهار فقط… بل تُباع.
ويُسلَّم ثمنها في صفقات صامتة.

كتائب أعلنت التوقف عن حمل البندقية والعودة مجددًا، وكأن المهمة اكتملت على الورق…
ومن أراد تصدّر المشهد، كل ما عليه أن يردّد الكلمة السحرية: “الفاشر جوة”.

حاكم الإقليم لا يملك غير المناشدة،
وتصريحات تجعله في صدارة المشهد… لا على الأرض.

والجيش بين مدٍّ وجزر،
أما المجتمع الدولي، فخرسه مُريبٌ وفاضح.


حين كانت الفاشر قلب القضية

حين كانت الفاشر قلب دارفور، ومهد الحركات التي نشأت من رحم التهميش والمقاومة،
لم تغب عن شاشات الإعلام الخارجي ولا تقارير المراقبة الدولية.

كانت الفاشر بيتهم ومسقط رأسهم، لا “مأوىً” عابرًا،
وكانت هي موضع كل حرب… وهدف كل مفاوضات.

واليوم، رغم أن الحرب بلغت العظم،
تُركت وحدها دون تقرير… دون جلسة طارئة.

وكأنما المدينة التي صعد المجتمع الدولي على أكتاف جراحها،
لم تكن يومًا في قواميسهم… ولا على خرائطهم.


هل الحكومة: سلطة بلا موقف؟

ما يُسمى اليوم حكومة، ليس أكثر من تشكيلات تُدار بمنطق الترضيات.
الوزارات تتضاعف، لا لحاجة وطن، بل لإرضاء الكيانات.

وكأننا نؤسس لحضانة حزبية، لا لحكومة مسؤولة.

الأخطر من ذلك، هو الصمت الكامل أمام قيام ما بات يُعرف بـ”حكومة قتلة الأطفال وتجار الدم”…
كيان مسلح يُدير مناطق، يفرض سلطته، ويرتكب الفظائع.

ورغم كل ذلك، لا ردّ رسمي واضح… لا موقف.

هل أصبحت الدولة عاجزة حتى عن التصنيف السياسي؟
هل هذا كيان تفاوض، أم تهديد لسيادة الدولة؟
السكوت أمامه، هو قبول ضمني بوجود قوة موازية.

بل نظام ظلٍّ مسلح يتوسّع… والخرطوم تنظر وتُناور.

لماذا لم يُعلن قانون الطوارئ؟
لماذا هذا الاستنفار من طرف واحد… بينما الدولة صامتة؟
لماذا تُعَمّر الخرطوم… بينما الفاشر تُقصف؟
وأي عدالة تُبنى على عرضٍ لم يُحمَ، وأرضٍ لم تُحرر؟


من نيالا إلى الفاشر… السماء ليست لنا

كيف لطرف أن يستخدم مطار نيالا يوميًا للتموين العسكري،
بينما تعجز دولتنا عن إسقاط صندوق إسعاف واحد إلى الفاشر المحاصرة؟

من يملك السماء… يملك القرار.

سقطت قذائفهم كالمطر، ولم تسقط نقطة حليب لأطفالنا.

فمتى سنُعلن أن السيادة سقطت، وأن أنوار السلام انطفأت في الفاشر؟
أين طائراتنا؟
أين قرارنا؟
أين الدولة؟


إلى حاكم إقليم دارفور

سيدي الحاكم،
دارفور لا تحتاج بيانًا… بل موقفًا.
الفاشر لا تريد مناشدات… بل رجالًا يُتقَدّمون على الأرض لا في نشرات الأخبار.

** هل تعلم أن غياب القرار أخطر من غياب الغذاء؟
لأن الجوع قد يُكسر، لكن فقدان الأمل لا يُرمَّم.

إن لم تكن تمتلك السلطة،
فقلها بصدق للناس.
وإن كنت تملك القرار… فامضِ به الآن، لا بعد فوات الدم.

وإيّاك والتصريحات المرتبكة…
خلفك أسود، أعلن زئيرهم.


إلى القوات السودانية كافة

إلى من بقي في قلبه ذرة حزن… أو ذرة وفاء،
إلى من يرى في هذا الوطن بيتًا لا عاصمة فقط،
إلى القوات المسلحة… النظامية… المشتركة…

هذه اللحظة لا تقبل القسمة،
ولا التخوين.

إنها لحظة شرف… لحظة قَسَم.
لا تُختبر في المعسكرات، بل تُختبر تحت القصف، فوق الركام.

من بقي، أو من سيعود…
فليعلم أن كل دمعة، كل وجبة مفقودة، كل نظرة طفل خائف… تنتظر فعله.

لا نلوم أحدًا، ولا نتّهم أحدًا،
لكننا نرفض أن تُعمي الجهوية والعنصرية قلوبنا.

لنحرر الأرض… وإن كان آخر جندي لنا في الميدان.


إلى السيد الرئيس القائد العام للقوات المسلحة

سيدي الرئيس،
هل يُعقل أن تُستباح الفاشر من الجو والبر،
ويُدفن أهلها جوعًا وقصفًا،
ولا تُسقط الدولة صندوق إغاثة واحد فوقها؟

أين الإسقاط الجوي؟
أين الرسالة التي تقول: الفاشر ما زالت سودانية؟

العدو يمرّ عبر سمائنا… فهل سماؤنا له؟
وأين قوتنا الجوية؟
أين السيادة؟ أين قراركم؟

سياسيًا،
لماذا لم تعلن حكومتكم موقفًا واضحًا من “حكومة جماجم المدنيين”؟
لماذا الخطاب باهت؟
لديكم القوة… لديكم تفويض الشعب…

حكومة قتلة الأطفال لا تُعامل كواقع سياسي،
بل خطر على كل الوطن… يجب إعلانها، ومواجهتها.

إن لم تُكسر هذه المعادلة اليوم… لن يُغفر الصمت غدًا.

  • إن لم تُكسر هذه المعادلة اليوم،
    فلن يُغفر الصمت غدًا.

لا باللائمة بل بالحقيقة

“لا باللائمة” تعني أن ردنا ليس مجرد عتاب، بل توضيح لا تُخفيه صفحات الزمن.
الفاشر انتظرت الدولة، وصبرت الجماعات، لكن من باعها مرة… لن يقف صادقًا يومًا باسم الوطن.
والي كل من قاوم في ميادين الصمود.

أنتم من بقي في حراسة السماء، وأنتم من كتب للحرية درسًا بالأمانة والكرامة.


أخيرًا: لا تُخبروني أن الفاشر ماتت

الفاشر لم تمت، لكنها في نزاع الروح الأخير.

لنصنع لها قصة… لا وصمة.
دعونا نحملها في القلب لا في تقارير النعي.
وإن نصرناها… فبأي قدم ستدخلونها؟

** على جثث الأمهات؟
على أكفان الأطفال؟
أم برؤية الشرف تُبعث من جديد؟

لا تُرهن الكلمة… ولا تُحسَب على لائحة “الخيانة المؤدبة”.


الفاشر ليست عبئًا… الفاشر اختبار أخير للكرامة

وإن سألت الفاشر يومًا من كتب لها وفاءً،
قولي: من جعل الدمع قصيدة… وكتبكِ حين هرب الشعراء.
الفاشر ليست عبئًا… الفاشر اختبار أخير لمن بقيت في قلبه ذرة من الرحمة والأمانة والوفاء
نموت من أجل الوطن إن مات فينا الكلام،
فالكتابة ليست حبرًا… بل دمٌ لا يُباع
وإن قلناها حقيقة هي لله والدين والسلام .

سلام وأمان… فالعدل ميزان

✍️ بقلم: عبير نبيل محمد

توقيع لا يُنسى:

“أنا الرسالة حين يضيع البريد… امرأة من حبر النار.”

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات