متى ما كان العمل الإنساني والطوعي، إلتزم بالقيم والمبادئ الضابطة له، من الشفافية والمصداقية؛ فإن أرصدة المكافأة في الإحترام والتقدير تكبر وتنمو أمام المتطوع وهو جدير باستحقاقها.
لقد حظيت مدينة الفاشر- فك الله حصارها- منذ شرارة حرب 15 أبريل، بمبادرات طوعية عديدة، انتظمت أنشطتها الإنسانية في حقول متنوعة في الجانب الصحي، والدعم النفسي والإجتماعي، وتوفير الإيواء للنازحين، علاوة على تشغيل المطابخ الجماعية والسُقيا.
ومع مرور الوقت تضاءلت تلك الأنشطة وانحصرت الأعمال كلها في التكايا الخيرية، حتى ذلك بالكاد تقدم وجبات غذائية للمحتاجين في أدنى مستويات الطعام.
أمس “الاثنين” الموافق الثامن والعشرين من يوليو2025م؛ نشرت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر على صفحاتها الرسمية في منصة “الفيس بوك” عدداً من أسماء التكايا الفاعلة بمدينة الفاشر، قصدت منه استقطاب الدعم المادي لتقوية وتشغيل التكايا، وضمان استمراريتها في طهي الوجبات وتقديمها لإنسان الفاشر المحاصر.
لكن فوجئت بأن الصفحة الناشرة لأسماء التكايا لم ترد اسماً لمبادرة شهيرة ظلت ناشطة وفاعلة في عملها الإنساني داخل مدينة الفاشر، ألا وهي مبادرة “تكية الفاشر” حيث أكدت مصادر بأن التكية خرجت عن الخدمة داخل مدينة الفاشر لأكثر من شهر !
وحين تقصيت الخبر من عدد من مصادر أخرى موثوقة فيها، أكدت أن تكية الفاشر استفادت من اسمها وسمعتها الجيدة ما أهلتها لتلقى الدعومات بصورة منتظمة من الخيريين ظناً منهم أن صدقاتهم وأموالهم، توظف في مصلحة إسعاف أهالي الفاشر المحاصرين من خطر المجاعة والموت الجماعي.
وفي هذا الظن كان للمسؤول الأول “لتكية الفاشر” الذي نكن له خالص الود والإحترام، فرصة توضيح أن التكية خرجت عن الخدمة داخل مدينة الفاشر لأسباب موضوعية مقبولة، ويوضح أيضاً بأن الأنشطة التي تنفذها التكية حالياً لاتمت بالمدينة المحاصرة بأية صلة؟
ولكن إصرار نشر الصور والمقاطع المرئية بشكل يومي، لمستفيدي التكايا بوصفهم وتخيلهم بأنهم سكان الفاشر المحاصرين، ورفعها للمانحين لا يندرج هذا إلا في قائمة التشويش المتعمد للمواطنين المحاصرين المتضورين من المسغبة، الذين هم الآن الأكثر أحقية من غيرهم لتلقي الطعام لسد رمق جوعهم، وليس ذلك فحسب، بل إن إلحاح نشر الصور باسم المحاصرين هو تضليل أيضاً للرأي العام عموماً، والمانحين خصوصاً، بأن أهل الفاشر مأمنون من الجوع، والمنح يجرى صرفها في التكية خدمة للمستحقين داخل عاصمة ولاية شمال دارفور.
كل المشاهد المصورة التي يبثها الصحافيون، والاعلاميون، والناشطون داخل مدينة الفاشر، ما هي إلا مشاهد مؤلمة وغصة في الحلق، كبار وصغار يتدافعون في الصفوف من أجل “عجينة أمباز”. فمن الأخلاق الحميدة والكرامة الإنسانية يتوجب على المانحين دعم التكايا الخيرية الناشطة بمدينة الفاشر على رأسها مطبخ الخير من أهل الخير، مبادرة الله يبردي، مطبخ معارف مفقودة وغيرها.
أما الذين هُجروا قسراً خارج الفاشر، فأبواب الفرص مشرعة أمامهم، إن كان بوساطة المنظمات الأممية،والدولية، والوطنية، أوحتى من باب الإعتماد على النفس.
ويظل العمل الإنساني والطوعي بارقة أمل لضحايا الحرب، الذين فقدوا أعزاءهم، وبيتوهم، وأموالهم، فأجبرتهم ظروف المعارك للإتكاء على غيرهم فينبغي علينا الإخلاص في العمل والتحلي بصفات الصدق والأمانة.