كثيرًا ما نردد هذه المقولة الشهيرة الاختلاف في الرأي لا يفسد للود
قضية وهي مقولة تعكس تعبير صادق عن جوهر الحياة الديمقراطية في أي مجتمع متحضر. فالتعدد في الآراء ليس دليلًا على الانقسام، بل علامة صحية على وجود بيئة تسمح بتداول الأفكار وطرح الحلول المتنوعة للمشكلات.
لكن المؤسف أن الواقع الذي نعيشه اليوم بعيد كل البعد عن هذه الفلسفة. فما أن يُطرح رأي مخالف حتى يتحول الاختلاف إلى خلاف، ويُربط الرأي بالشخص، وكأن من يختلف معنا عدو لنا. نغضب من آراء الآخرين ونرفضها لا لأنها خاطئة، بل لأنها لا تشبهنا. ويتحوّل الرفض الفكري إلى هجوم لفظي، يتدحرج إلى تنمر وشتائم وتجريح، وكأن الساحة العامة لم تعد تتسع إلا لصوت واحد، ولرأي واحد.
لقد أصبحت مشاعرنا مرتبطة ارتباطًا عاطفيًا بآرائنا،
ولعل تجربتنا الأخيرة تؤكد ذلك بوضوح؛ فقد أُثير الكثير من اللغط وتعرضنا للكثير من الإساءات على خلفية اختيار رفيق دربي و زوجي البروفسير معز عمر بخيت وزيرًا للصحة. ولم يكن سبب الهجوم تقييمًا لأدائه أو مؤهلاته، بل لمجرد أنه اختير لخدمة وطنه بما يملك من خبرات أفادت دولًا كثيرة غير السودان.
وزارة الصحة، في جوهرها، وزارة خدمية لا حزبية، تعنى بصحة المواطنين، وهؤلاء هم أساس الوطن وعماده. لكن يبدو أن البعض يرى في كل مبادرة وطنية مدعاة للتشكيك بدلًا من أن تكون فرصة للتكاتف.
إننا نرفع شكوانا إلى الله، لا عن ضعف، ولكن عن ثقة بأننا لن نتراجع عن خدمة وطننا مهما كانت التحديات والتعصب والانغلاق …فأرجوكم احترموا الناس… حتى لو اختلفتم معهم.
لا أحد مجبر أن يوافقك الرأي أو ينتمي لقبيلتك الفكرية أو الحزبية.
اتركوا التنمر، فقد صار لغة بائسة في مجتمعاتنا
عوّدوا أنفسكم على محبة الناس
فالناس ليسوا أعداءكم، بل شركاؤكم في الوطن، في الإنسانية، في المعاناة.
وتذكّروا دائمًا الله عز وجل.
وهو الحق، العدل، الحكم،
نظّف قلبك، طهّر نيتك، واحرص على أن تكون ممن يُقال عنهم
“كان سليم القلب.. حسن الخُلق.. خاف الله في الناس.”
إن كنا نريد بناء وطن حقيقي، فليكن أول لبنة فيه هي الاحترام.
مسافات… جدية عثمان
لندن 24 يوليو 2025