السبت, يوليو 26, 2025
الرئيسيةمقالاتندى الحروف. ...

ندى الحروف. بقلم/ إبراهيم محمدنور. السودان… وطن يولد من الرماد

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، لم يعد السودان كما كان. الخرطوم التي عرفناها مدينة نابضة بالحياة، تحوّلت إلى مدينة أشباح، تنهشها النيران ويتردد في أزقتها صدى الرصاص. أكثر من تسعة ملايين سوداني أجبروا على النزوح، وربع سكان البلاد أصبحوا في حاجة ماسّة للغذاء والدواء والمأوى. وكأن كل شيء جميل تهدّم في غفلة من الزمن.
لكن المعجزة السودانية لا تزال ممكنة،فرغم هذا الجحيم، يقاتل الإنسان السوداني من أجل الحياة. يرمم ما يمكن ترميمه، ويبتسم رغم الركام، ويُؤمن بأن الوطن لا يموت. وهذا الإيمان، هو الشرارة التي يمكن أن توقد مشروع نهضة شاملة، تتجاوز إعادة البناء إلى إعادة تعريف الذات.
نحن لا نواجه مجرد حرب. نحن نواجه خطرًا وجوديًا يهدد وحدة السودان وبقاءه. التحدي أكبر من السياسة، وأخطر من صراع على سلطة. إنه تحدٍ لجوهر الوطن نفسه، لهويته، لنسيجه، لكرامة شعبه. ومع ذلك، نمتلك فرصة ذهبية لأن نعيد اختراع هذا الوطن من جديد، لا بإعادة رسم الخرائط، بل بإعادة بناء الإنسان السوداني نفسيًا وتعليميًا واقتصاديًا، ليقود بنفسه مشروع الخلاص.
بلدان عديدة نهضت من أنقاض الحروب، لأن شعوبها آمنت بأن أعظم استثمار هو في الإنسان. ألمانيا وروندا واليابان نماذج حية. أما نحن في السودان، فقد اعتدنا أن نحمل الميكروفونات لا المعاول، نرفع الشعارات بدلًا من الخطط، ونتجادل حول الأحقية بينما الأرض تُسلَب من تحت أقدامنا.
الحقيقة المُرة؟ لا أحد سينقذنا سوى نحن. ولن ينجح أي مشروع وطني إن لم يكن قائمًا على قيم العمل والعدالة والانتماء. التغيير يبدأ حين نكفّ عن أن نكون مجرد محللين للأزمة، ونتحوّل إلى صانعين للحل. وحين نؤمن أن كل فرد في موقعه مسؤول عن جزء من الوطن.
ولعل من أكثر المبادرات جدية ونضجًا ما قدمه رئيس الوزراء البروفسور كامل إدريس في كتابه «السودان 2025 تقويم المسار وحلم المستقبل»، رؤية عميقة تنبع من رحم المعاناة، وتؤمن بأن الحل ليس في ترقيع الخراب، بل في إعادة تخطيط المسار بالكامل.
في هذا الكتاب يقترح رئيس الوزراء البروفيسور كامل إدريس مشروع “حكومة الأمل” كبديل للفراغ والفوضى، حكومة تضع الإنسان أولًا، وترتكز على عشر ركائز تبدأ بتشخيص الأزمة وتنتهي بخلق دولة المواطنة والمؤسسات والتنمية الشاملة.
من خلال خطة واقعية، دعا إلى إعادة كتابة الدستور بالتوافق، وتمكين الأقاليم، وربط الريف بالمدن، وتأسيس لجنة مصالحة وطنية، وتعزيز التعليم، وتحقيق التحول الرقمي، مع إعادة الاعتبار للزراعة والطاقة والطفولة، لا محاصصة حزبية، لا شعارات مستهلكة، بل كفاءة ونزاهة وشفافية.
وربما للمرة الأولى، تظهر على المسرح مبادرة وطنية تقودها عقول مخلصة، لا تسعى للسلطة بل لحماية الدولة. ومثل هذا الطرح لا ينبغي أن يُمر مرور الكرام، بل أن يتحوّل إلى مشروع جامع تنخرط فيه كل فئات الشعب، من الشباب إلى النخب، من المغتربين إلى أهل الريف، ومن صناع القرار إلى صناع الأمل.
ولأننا لا نعيش بمعزل عن محيطنا، فإن نجاح السودان في تجاوز أزمته سيكون بمثابة رسالة أمل لشعوب أخرى تمزقها نفس الحروب،ولسنا بحاجة لمعجزات، بل فقط لشجاعة الاختيار، هل نكمل في طريق الهدم، أم نفتح صفحة جديدة عنوانها الوطن؟
الأغاني التي نرددها: “أنا سوداني أنا”، لم تكن كلمات عابرة، بل كانت عهدًا ضمنيًا أن هذا الوطن يستحق الحب، يستحق التضحية، ويستحق أن نُعيد له الحياة.
اللحظة التي نعيشها اليوم لا تحتمل الصمت ولا التردد. علينا أن نختار الآن إما أن نُعيد بناء الوطن بأيادينا، أو نتركه يتهاوى تحت أقدام العجز والانقسام. والخيار، كان وسيبقى، بأيدينا.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات