الخرطوم التي نحِنّ إليها ليست شوارع الإسفلت فقط، ولا الأحياء العتيقة، ولا تلك الملامح التي ألفناها في مواقف المواصلات وأركان الشاي، الخرطوم التي في القلب هي “روح جماعية” نبنيها نحن… بوعينا، وسلوكنا، وشجاعتنا في التغيير.
لقد خرج التمرد من العاصمة، صحيح، لكن هذا لا يعني أن الحرب قد انتهت تمامًا. الحرب التي تحتاج هزيمتها الآن، هي تلك الحرب على السلوك السلبي، على التراخي، على أنماط التفكير الكسول التي تظن أن الخرطوم ستعود وحدها كما كانت. لا يا سادة، الخرطوم لا تُبنى بالحنين وحده، الخرطوم تحتاج إلى قرار جاد، وإرادة قوية، ونقاش صادق حول ما كنا عليه… وما يجب أن نكون عليه.
الخرطوم الجديدة: وعي جديد
ما قبل الحرب ليس مثالًا يُحتذى، ولا واقعًا يستحق العودة إليه كما هو. الفساد الإداري، الفوضى العمرانية، التسيب في المرافق العامة، ضعف احترام القانون… كل هذه عوامل أدت إلى هشاشة جعلت العاصمة فريسة سهلة عند أول اختبار. إذًا، من واجبنا ألا نعيد إنتاج نفس النمط.
نحن لا ندعو للعودة إلى الخرطوم كعدد، بل كوعي. نريد عودة مؤسسات تعليمية محترمة، ومرافق صحية لائقة، وأسواق منظمة، وأحياء يعرف سكانها بعضهم البعض ويتكافلون. نريد عاصمة نظيفة، منظمة، تحترم القانون وتخدم الإنسان لا تذله.
كل مواطن مسؤول
لا ننتظر “الوالي” ليأتي ويعيد بناء الخرطوم. البداية من كل واحد فينا. من رب الأسرة الذي يربي أبناءه على احترام المرافق العامة، من التاجر الذي لا يغش في الميزان، من الشاب الذي ينظم مبادرة نظافة أو دعم لمدرسة أو مركز صحي. الخرطوم لن تُبنى بأوامر من فوق فقط، بل بحاجة إلى نهضة من القاعدة.
دروس الحرب
لقد تعلمنا أن القوة لا تكمن في البندقية فقط، بل في وحدة الصف. وأن من يتساهل في الفساد اليوم، سيتحمل غدًا فواتير الانهيار. وأن المجتمع المتماسك هو الدرع الأول لأي عاصمة. فهل سنعود إلى الخرطوم بمفاهيم ما قبل الحرب، أم سنعود بها نحن الجدد، الذين تعلموا الدرس؟
خاتمة
ليكن شعارنا: “لا عودة إلى الخرطوم القديمة… بل بناء الخرطوم الجديدة بوعي جديد.”