بقلم: ابوعبيده احمد سعيد
في ظل ما تمر به البلاد من تحولات جذرية ومعقدة على المستويات السياسية والأمنية، نثمّن عاليًا القرار الأخير الصادر عن القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والقاضي بتفريغ العاصمة الخرطوم من كافة الكيانات المسلحة والقوات المقاتلة خلال أسبوعين، وتكليف هيئة الأركان العامة بتنفيذ هذا القرار الحيوي.
ورغم أن القرار جاء متأخرًا نسبيًا، إلا أنه يحمل دلالة استراتيجية مهمة في اتجاه إعادة فرض سلطة الدولة، ومنع عسكرة العاصمة، والتمهيد لمرحلة استقرار مستدام.
لكن نجاح هذا القرار لا يكمن في تنفيذه فقط، بل في إطار الرؤية الاستراتيجية المصاحبة له، والتي نقترح أن تقوم على المحاور الآتية:
أولًا: إعادة تموضع القوات المسلحة إلى أطراف العاصمة
ينبغي أن تُرفق عملية الإخلاء بخطة شاملة لنقل الثكنات والمقرات العسكرية من وسط الخرطوم إلى أطرافها، وفق توزيع دفاعي مدروس يتيح:
• تشكيل طوق أمني عسكري حول العاصمة، يشبه “معصم الحماية” ضد أي اختراق خارجي أو تهديد داخلي.
• تقليل الاحتكاك بين المواطنين والقوات النظامية.
• تعزيز الاستعداد القتالي والاستجابة السريعة في حال الطوارئ.
ثانيًا: الاستفادة من المواقع المدمرة والاستراتيجية داخل العاصمة
لقد تعرض عدد من مواقع وأبراج ومقرات القوات المسلحة في قلب الخرطوم إلى دمار شامل أو جزئي نتيجة العمليات العسكرية. وعليه، نرى أن إعادة بنائها داخل المدينة لم يعد خيارًا مناسبًا في ظل تطورات المشهد العسكري.
ونقترح بدلًا من ذلك:
• إعادة استثمار هذه المواقع عبر بيعها أو تأجيرها بعقود استراتيجية لتوليد عوائد مالية.
• تخصيص ريع هذه العقارات لبناء منشآت عسكرية حديثة وآمنة خارج العاصمة.
• تحويل بعض المقرات السابقة إلى مؤسسات مدنية وخدمية تعيد الطابع الحضري والمدني للعاصمة (مثل مستشفيات، جامعات، حدائق عامة).
ثالثًا: هندسة أمن داخلي جديد للعاصمة
بعد تفريغ الخرطوم من القوات المقاتلة، لا بد من تعزيز الدور الأمني للشرطة المدنية والأجهزة المختصة في:
• حفظ النظام العام.
• محاربة الجريمة والنشاطات الخارجة عن القانون.
• دعم جهود إعادة الإعمار وعودة النازحين.
رابعًا: ضمان التنفيذ المرحلي والمنضبط
حتى لا تتحول عملية الإخلاء إلى فراغ أمني خطير، يجب أن تُنفذ وفق خطة مرحلية واضحة تتضمن:
• جدول زمني مرن ودقيق.
• إجراءات أمنية مصاحبة (تفتيش، مراقبة استخباراتية).
• مشاركة المجتمعات المحلية في التقييم والرصد.
ختامًا:
إن مستقبل الخرطوم كعاصمة موحدة وآمنة يتطلب إعادة تصور منظومتها الأمنية والعسكرية بما يواكب التحديات المعاصرة، ويمنع تكرار سيناريوهات حرب المدن.
وإن إعادة التموضع العسكري نحو أطراف العاصمة، والاستفادة من الريع العقاري داخلها، هو خطوة عملية نحو بناء جيش وطني عصري، يحمي ولا يهيمن، يردع ولا يحتك، ويؤسس لسلام دائم، لا لحرب مؤجلة.
نأمل أن تجد هذه الرؤية الاهتمام والاعتبار من مراكز الدراسات، والقيادات السياسية والعسكرية، والمجتمع المدني، باعتبارها جزءًا من مشروع وطني لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة.