الثلاثاء, يوليو 29, 2025
الرئيسيةمقالاتالخرطوم بعد التحرير: الأمن مسؤولية وطنية شاملة (الجزء الثاني) ...

الخرطوم بعد التحرير: الأمن مسؤولية وطنية شاملة (الجزء الثاني) بقلم: عبدالقادر عمر محمد عبدالرحمن

بين المليشيا والمجتمع: ملامح معركة الأمن

لقد كانت الخرطوم ساحة معركة عسكرية طاحنة، لكنها اليوم تواجه تحديًا أعقد: تأمين النصر.

ما بعد التحرير ليس نزهة، بل معركة أكثر حساسية، تتطلب تغيير المفاهيم الأمنية، وتجديد الثقة بين المواطن والدولة، وخلق بيئة متماسكة لا تنتج مجرمًا، ولا تسمح لبذور الفوضى أن تنبت.

وفي هذا الجزء الثاني، نركز على الأدوات والآليات العملية لتحقيق الأمن المستدام في العاصمة:


أولاً: استراتيجية وزارة الداخلية

  1. خطة تأمين ذات أبعاد متعددة

يجب أن تقوم الوزارة على تنفيذ خطة شاملة ذات ثلاثة محاور:

أمني/ميداني: تعزيز الانتشار الشرطي في المناطق الحساسة (الأسواق، الكباري، مواقف المواصلات، الأحياء الطرفية).

وقائي/معلوماتي: توجيه الاستثمار إلى وحدات التحليل الجنائي والمعلومات الاستباقية وتوسيع قاعدة “الاستخبارات المجتمعية”.

قانوني/مؤسسي: إصلاحات داخل جهاز الشرطة لضمان مهنية العمل، ومحاربة الفساد الداخلي، وتفعيل أدوات الشكاوى ضد أي انحراف.

  1. تطهير العاصمة من السلاح المنفلت

لن يُكتب الاستقرار للعاصمة مالم يتم:

حصر السلاح في يد الدولة.

إعلان برنامج زمني لتسليم السلاح الطوعي مقابل حوافز.

تشديد العقوبات على حيازة السلاح غير المرخص.


ثانيًا: الشرطة… من جهاز إلى مؤسسة مجتمعية

الشرطة يجب أن تتجاوز دورها التقليدي كقوة ضبط إلى كونها شريكًا في إعادة بناء الخرطوم. وهذا يتطلب:

شرطة مجتمعية: في كل حي، أفراد من الشرطة على دراية بالناس والمنطقة، وتربطهم علاقة احترام وتعاون مع سكانها.

نقاط شرطة متحركة: وحدات صغيرة سريعة الاستجابة، تعمل 24/7 في الأحياء الطرفية والمناطق الهشة أمنيًا.

منظومة استقبال البلاغات الفورية: رقم موحد، تطبيق إلكتروني، وكوادر مدربة تضمن سرعة التجاوب.


ثالثًا: الخرطوم الرقمية… للرقابة والمساءلة

التقنيات الحديثة يجب أن تكون عماد تأمين العاصمة:

كاميرات مراقبة في مداخل الأحياء والأسواق.

برنامج رقمي لتسجيل المخالفات والملاحظات الأمنية.

بطاقات تعريف ذكية لسكان الخرطوم مع ربطها بالخدمات الحكومية.


رابعًا: المجتمع… الحلقة الأهم في منظومة الأمن

لا يمكن فرض الأمن بالقوة فقط. يحتاج إلى وعي ومشاركة مجتمعية واعية:

  • لجان أحياء أمنية

تشكيل لجان تطوعية مدعومة رسميًا، دورها:

رصد المتغيرات.

المساهمة في تنظيم الشباب.

التصدي المباشر للظواهر السالبة (مثل المخدرات والعصابات).

  • المدارس والمساجد

دمج برامج التوعية الأمنية في مناهج التعليم، وخطب الجمعة، والندوات، حتى يشعر كل طفل وكل مراهق أن له دورًا في حماية وطنه.

  • الأسواق والمواقف والمواصلات

تفعيل أعين المجتمع: الباعة، سائقي المركبات، عمال المواقف.. كل هؤلاء يجب أن يكونوا عيونًا للوطن.


خامسًا: مواجهة الآثار النفسية والاقتصادية للحرب

الحرب لم تدمر الجدران فقط، بل خلفت مجتمعًا محطمًا نفسيًا، وفاقدًا للبوصلة القيمية.

ولذلك من الضروري:

توفير برامج دعم نفسي للمواطنين والشرطيين.

دعم فرص العمل للشباب لتقليل فرص الجريمة.

فتح الأندية والمراكز المجتمعية لتحصين الفراغ ضد الانحراف.


سادسًا: هيبة الدولة تبدأ من الانضباط في الشارع

الخرطوم لا يجب أن تعود إلى زمن العربات العشوائية، الكلاب السائبة، النفايات المتكدسة، والأسواق العشوائية.

صورة العاصمة ليست كمالية، بل ضرورة أمنية.

ولهذا لا بد من:

إعادة تنظيم النقل والمواقف.

إزالة كل الظواهر العشوائية.

فرض القانون بعدالة في كل شبر.


الخلاصة: العاصمة أمانة في أعناقنا

تحرير الخرطوم عسكريًا كان نصف المعركة، أما النصف الأهم فهو أن نحميها، نبنيها، ونؤسس فيها دولة تحترم القانون وتُحترم به.

على وزارة الداخلية أن تكون الحارس الأمين،
وعلى الشرطة أن تكون الواجهة الحضارية،
وعلى المجتمع أن يكون الدرع غير المرئي للأمن والاستقرار.

فلتكن معركتنا القادمة:
“تحرير العقول والنفوس من الفوضى” كما حررنا الأرض من المليشيا.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات