يواجه الصحفيون السودانيون اوضاعا معيشية صعبة
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، اختفت الصحف الورقية من المشهد الإعلامي تمامًا، وغاب معها الصوت المهني ، وواجه الصحفيون اوضاعا معيشة صعبة ودخلت البلاد في فراغ إعلامي قاتل، تتسيده الفوضى، وتطفو فيه الشائعات والمعلومات المضللة.
لطالما شكّلت الصحف الورقية مصدرًا رئيسيًا للوعي، وسلاحًا قويا في مواجهة الفساد والاستبداد، ومنبرًا للناس، وصوتاً للحقيقة. لكن اليوم، وبعد أكثر مايقارب ثلاث سنوات على توقفها القسري، لا تزال هذه المؤسسات خارج الخدمة، دون وجود أفق واضح للعودة أو لإعادة التأسيس.
توقفت الصحف، وأُوصدت المؤسسات الصحفية ابوابها، وكانت النتيجة تشريد مئات الصحفيين دون دعم، أو تعويض، أو حتى اعتراف بمعاناتهم. زملاء أمضوا أعمارهم في بلاط صاحبة الجلالة، باتوا فجأة بلا عمل ولا مصدر دخل. بعضهم هاجر، وبعضهم اضطر للعمل في مهن هامشية بعيدة عن تخصصاتهم الصحفية لا تليق بخبراتهم، والبقية يعيشون على أمل… وألم.
الساحة الإعلامية في السودان الآن خالية تمامًا: لا تحقيقات، لا تغطيات، لا صوت مهني يوثق ما يجري في الشوارع والمخيمات والمنافي. ووسط هذا الفراغ، تنتشر المعلومات الزائفة، وتتصدر المشهد أصوات غير مؤهلة ولا مسؤولة، مما يهدد الوعي العام، ويزيد من هشاشة المجتمع.
ويظل السؤال: هل تدرك الدولة حجم الكارثة؟ وهل تعي أن غياب الإعلام المهني جزء من انهيار الدولة نفسها؟ لا يمكن لأي بلد أن ينهض دون إعلام حر، نزيه، محترف، يعكس نبض الناس، ويراقب أداء السلطة، ويصنع التوازن بين مؤسسات المجتمع.
ما يجري اليوم ليس مجرد غياب للصحف، بل تغييب متعمد — أو متجاهَل — لدور الصحافة. وحتى اللحظة، لم نشهد تحركًا جادًا من الجهات المعنية: لا لإعادة تشغيل المؤسسات، ولا لحماية الصحفيين، ولا حتى لصياغة سياسات واهداف إعلامية بديلة تُواكب ظروف الحرب ..
أكتب هذا المقال لا بصفتي صحفيًا فقط، بل كمواطن يشعر بأن صوت بلاده قد اختفى، وبأن الصحافة — التي كانت يومًا ضمير هذا الشعب — قد أصبحت جثة في مشرحة الحرب.
ختامًا، أقول: الصحافة ليست ترفًا نمارسه في أوقات الرخاء، بل هي ضرورة للحياة، وللحقيقة، وللوطن.
فهل من أمل في عودة الكلمة؟
وهل من جهة تمتلك الإرادة والقرار لإنقاذ الصحافة السودانية من هذا الموت البطيء.
*صحفي سوداني من ذوي الإعاقة الحركية