الجمعة, يوليو 4, 2025
الرئيسيةمقالاتالإرباك السياسي و التشكيل الوزاري. ...

الإرباك السياسي و التشكيل الوزاري. أ/ زين العابدين صالح عبد الرحمن

واحدة من أهم عوامل إرباك الساحة السياسية، تعود للإختلاف الجوهري بين التيارات المختلفة في مقاصد العديد من المصطلحات السياسية، و الإرباك ليس عملية عفوية في السياسة، أنما هي مقصودة، بهدف إحداث تغبيش للوعي عند قطاع واسع من الجماهير، بهدف السيطرة عليهم و قيادتهم لإنجاز مهام أخرى لا يعرفون حقيقتها، و أهمها إحداث ميوعة سياسية، و الغريب أن قضية تفنيد المصطلحات لا تؤخذ بالحوار لكي يحدث الفهم ثم الوعي، أنما هي عملية إرباك يجعل الآخر في دائرة الإتهام، بهدف الخروج من الموضوع المثار الحديث عنه، أو دفعه للإحجام أو تحويله لدائرة الأتهام لكي يبدأ في عملية تبرئة النفس من الإتهام..

مثالا لذلك: المفهوم الخاص بالثورة.. و مثالا ثورة ديسمبر.. الثورة كانت عملية شعبية ضد السلطة الحاكمة، و لها هدف محدد هو إسقاط النظام.. بعد الإسقاط و التوقيع على الوثيقة الدستورية، يصبح هناك انتقال من الشرعية الثورية للدستورية، تكون مرحلة الثورة أنتهت تماما.. لكن عند البعض الأخر المسألة لها رؤية أخرى؛ أن الثورة ليست مرتبطة فقط بتغيير النظام، أنما مواصلة الثورية بهدف تمكين أحدى طبقات المجتمع ” البروليتارية” في السلطة، و هذا ليس أدعاء أنما هي مرحل الماركسية للوصول للشيوعية.. استمرارية الثورية لا تؤدي إلي الديمقراطية، لأنها لا تريد شرعية دستورية، هي تريد أن تنجز مهام و أجندة أخرى لدعاة الثورية.. لذلك يحاول هؤلاء إحداث إرباك سياسي أداته هي تغبيش الوعي عند الجماهير..

كثير من الأجيال الجديدة لم تقرأ الماركسية و معرفة مراحلها، لذلك تستهويهم مسألة الثورية و الثورة، و هم لا يبحثوا عن معرفة مدلولاتها السياسية.. لا يمكن شخص يناضل من أجل الديمقراطية يربط نفسه بالثورية، لآن كل واحدة من هذه الفلسفات السياسية لها مدلولاتها، فالديمقراطي طريقه سلمي مبني على القناعة، و الحوار مع الأخر للوصول لأرضيات مشتركة تعزز مسألة الأمن الاجتماعي، و الأستقرار السياسي في المجتمع.. و أطلق عليها جان جاك روسو العقد “الاجتماعي”.. أما ماركس لم يدعو للعقد الاجتماعي، انما دعا إلي ثورة البروليتاريا ضد مالكي وسائل الانتاج، و تستمر الثورة حتى تعزز سلطة البروليتاريا و الوصول بها للمجتمع الشيوعي.. لأن ماركس يرى حتمية التاريخ تتمثل في العوامل المادية ذات الطبيعة الاقتصادية.. و يعود ذلك لعدم الوعي بالمصطلحات السياسية..

هذه الخلافات الجوهرية هي سبب إرباك لقطاع واسع من الجماهير، و هي التي تجعل البعض لا يستطيع أن يخرج من دائرتها بسبب عملية تغبيش الوعي.. الخلافات التي حدثت في الفترة الانتقالية سببها هو صراع على ” السلطة” الغريب في الأمر أن الصراع يتم بذات الثقافة الشمولية الموروثة من تراكم النظم الشمولية في البلاد.. لآن من أهم أدوات الانتقال من نظام شمولي إلي ديمقراطي، أن تبدأ القوى الجديد تنتج ثقافة جديد تتلاءم مع شعارات الانتقال، و أهمها الانتقال من النزعة الشمولية التي تعطي السلطة لشخص واحد، أو لحزب واحد إلي النزعة النسبية ألتي تجعل الكل يؤمن أنه يملك نصف الحقيقة، و نصفها عند الآخر، الأمر الذي يجعل الحوار ضرورة، و هذا طريق الديمقراطية.. لآن الحوار يقلل فرص بروز العنف في المجتمع.. أما إدعاء الثورية يعني فرض رأى واحد على الكل و هو ذات طريق الشمولية..

ننتقل إلي محطة أخرى: كان هناك أتفاق بين كل القوى السياسية منذ سقوط الإنقاذ، أن الفترة الانتقالية تديرها قيادات مستقلة ” تكنوقراط” بهدف أن لا يؤثر الصراع على إعمال الفترة الانتقالية، و حددت أحزاب مثل ” الأمة – الشيوعي ” أنهم لا يريدون المشاركة في السلطة الانتقالية، و لكن أخيرا عدلوا عن رؤيتهم، فأصبح الصراع السياسي دائر على السلطة، بشكل قوي لماذا.. كما قال لينين ” لا يكفي القول بأن الصراع الطبقي صراعا سياسيا حقيقيا و خطيرا و واسعا إلا إذا تشبث بهياكل سلطة الدولة..و لماذا؟ قال لينين لآن الدولة هي الضابط للتوازن الكلي للتكوين الاجتماعي.. هذا هو جوهر الصراع الدائر الآن، و كل قوى سياسية تحاول أن تغطي أهدافها الحقيقة بشعارات مغايرة بهدف صرف الناس عن الأهداف الحقيقة..

في محطة أخرى من صراعات السلطة: الآن بدأ رئيس الوزراء كامل أدريس تشكيل حكومته من عناصر مستقلة “تكنوقراط ” و الذين تم تعينهم حتى الآن كفاءأت مؤهلة علميا لم أجد من أشار إلي أحدا منهم بالانتماء السياسي، عندما يكتمل التشكيل، تصبح هناك نقلة نوعية قد حدثت في الساحة السياسية، الانتقال من الصراع في دائرة السلطة إلي تقديم الأفكار التي تساعد الحكومة على إنجاز مهامها، و مطالب من رئيس الوزراء أن يجتمع مع وزرائه و يقدموا برنامجهم في كل القطاعات للشعب السوداني بهدف قرأته و تقديم الأراء لآن المشاريع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية تتطور بالحوار العلمي و السعى من أجل إضافات نوعية لها… كما أن محاسبة الحكومة تصبح على ما قدمته.. و أيضا مطالب رئيس الوزراء بعد الإنتهاء من برنامجهم الجلوس مع القوى السياسية.. و الحوار معها على التحضير للمؤتمر الدستوري و أجندته، و على رئيس الوزراء أن يخصص مكان للحوار و ميزانية له حتى ينتقل الصراع من الشارع إلي دائرة المؤتمر الدستوري.. إلي جانب العمل من أجل تعديل قانون الأحزاب السياسية الذي يجعلها تداوم على عقد مؤتمراتها بشكل منتظم.. و أن لا يترشح العضو في القيادة لأكثر من دورتين.. و ترتبط الدورة بالدورة الانتخابية في البلاد، حتى تتحول من أحزاب محتكرة لأسر و طوائف و شلليات و تكتلات و غيرها إلي أحزاب ديمقراطية قادرة على إنتاج الثقافة الديمقراطية تنظيرا و ممارسة و ثقافة… و نسأل الله حسن البصيرة..

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات