الإثنين, يونيو 30, 2025
الرئيسيةمقالاتأَمن المنون وريبها تَتوجعُ؟فرد الزمان:نصر الدين بابكر كرتوب ...

أَمن المنون وريبها تَتوجعُ؟فرد الزمان:نصر الدين بابكر كرتوب
بقلم/ جاد الله كرتوب


علو في الحياة وفي الممات ويردعنا التجمل والحزن يقلقنا ولا يختار الدمع ثياباً فهو نبيل صافي، و قلوبنا كسّرت فيها نوافذ الفرح ،والسنتنا ما عادت الحروف تجري فيها إلاثقيلة باكية..ولسان الفتي نصف ونصف فؤاده.
نكتب إليك يا من رحلت، نكتب عنك، لا إليك… بعد أن كنت بيننا، ضوءا يُشعل اللحظة، ونسمة تطفئ حرّ الحياة، ونبعًا لا ينضب من الطيبة والمروءة.
كيف يُكتب الرثاء في من كانت حياته تمشي على قدمين؟
كيف تنعى الكلمات قلبا، كان إذا مرّ على القلوب، طيّبها وضمّدها؟
ما أقسى أن نُضطر لندعو لك بالرحمة، وأنت الذي كانت فعالك تجبرنا أن ندعو لك بالخير في ظهر الغيب، لا تطلبها، بل نمنحك إياها، لأنك أهلٌ لكل خير.
يا نصر…….
ما كنتَ شابا عاديا يمرّ في الحي كظلّ، ولا في الحياة كأحدهم، بل كنتَ أثرا حيا، رقيقا، مؤنسا. إذا وقفت، وقفت الهيبة ٌمعك، وإذا تحدثت، أصغت القلوب قبل الآذان. لا تُرى إلا مبتسما، ولا تُسمع إلا هادئا، تمضي في الناس كأنك رسالة من زمنٍ أجمل، زمنٍ لم تدنسه القسوة، ولا الشحّ، ولا الغلظة.
كأنكَ طيفُ نبوءةٍ لم تكتم
جاءت لتُعطينا لمحةً من الجمال، ثم مضت.
كنت بارا بوالديك برًّا لو وزّع على أهل الأرض، لكفاهم. لم تكن الطاعة عندك عبئًا، بل سلوكا، روحا، عادةً مغروسة، وعقيدة قلب. كنت تبر أمك وابيك واخوتك وكانت دعواتم تتبعك في كل درب، لأنك كنت الملاذ، والسند، والركن الذي لا ينهار.
أما أصدقاؤك، فكانوا يرون فيك المثل، والظلّ، والرفيق، والحارس. كنت تسبقهم في الخدمة، وتحتمل عنهم الأذى، وتبذل بلا أن يُطلب منك شيء، حتى إذا غبت، وقفوا حيارى، لا يدرون أي فقدٍ يعالجون: غيابك؟ أم الفراغ الذي تركته في تفاصيلهم اليومية؟
نبكيكَ لا جزعا، ولكنْ شوقا`لرؤيةِ طيفك في وجوهِ الصباح،نبكيكَ لأنك لم تُشبِه الغياب،ولأنك كنتَ الحياة.نبكيك للذكري وللماضي الذي مر.
في المجتمع، كنت الأليف والرفيق والساعد. لم يُعرف عنك إلا السعي في الخير، والمبادرة إلى المعروف، وتيسير الأمر على من ضاقت به الدنيا.
لم تكن الزينة في ثوبك فحسب، بل في خُلقك. كنت هاشًّا باشًّا، لا تُرى إلا وفيك من النبل ما يشبه الأنبياء.

تعدى الجودُ منكَ إلى البوادي
فلم يُتركْ لغيرك من نوالِ
وفيك من التواضع ما يُذِلُّ
التيجانَ فوقَ هامِ الرجالِ
وما أقسى الفقد حين يطرق أبواب الطيبين
لم نصدق الواقع حين عرفناه لحظة مفارقتك دنيانا بالمستشفي رفضت ارواحنا أن تسمعه ، وقلوبنا أن تقبله. ولكنا رددنا ما يرضي الله
كأننا حين نمضي لوداعك، لا نودّعك، بل نودّع أيامنا التي كانت بك أجمل، وسعادتنا التي كنت عمودها، وأماننا الذي كنت سقفه.
أتاك الموتُ يبتسمُ، فما جزعتَ
وأنتَ الحيُّ، والموتُ اصطناعُهُ
في رثائك، يا من لا يُرثى، نقف خجولين. كيف للغة أن توفيك؟ كيف للقصائد أن تتقمص حزننا؟ كيف نُعبّر، ونحن في حضرتك نتلعثم من وجع؟ إنّا نحزن عليك لا لأنك غبت فقط، بل لأنك تركت فينا أثرا لا يُشفى. كأنك أتيت لتُحسن، ثم ترحل، كأنك وعدٌ من السماء، لم يُكتب له أن يستمر طويلا.
ما أطول الرحيل وما اقساه حين يكون بلا وداع،وما أضيق الدنيا حين يضيق بها قبرٌ لروحٍ كبيرة.
لكننا، يا من سكنَ فينا ولن يغادر، لا نملك اليوم إلا الدعاء. نسأل الله – وقد اختارك -أن يكون لقاؤك به رحمة، وأن يكون ما بعد الموت لك حياةً أبهى مما تمنّيت. نسأله تعالي أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وأن يسكنك في أعلى الجنان، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
سنبكيك، نعم، وسنذكرك، نعم، وسنسير على ما كنت تسير عليه، لعلنا نصل إليك، ذات يوم، فتضمنا أرضٌ واحدة، لا وداع فيها.
وإنّا لفقدكَ يا أخي (النادر) نصر الدين لمحزونون.
فامضِ إلى رحمةِ الله،ودع فينا طيفك حيّا… لا يموت.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات