في هذا الشرق الأوسط الملتهب، حيث تُقصف الجغرافيا وتُستباح السيادة وتضطرب البوصلة، تُطلّ قطر كجدار وارف في صحراء سياسية عاصفة، تُطِلّ لا بالحياد الفارغ، بل بثبات الدولة الواثقة، ودبلوماسية العقل، ومنهج التوازن حين تتهشم الموازين.
الضربات الإيرانية الأخيرة، والانفجارات التي ترددت أصداؤها قرب حدود الخليج، أعادت إلى الأذهان سؤالًا قديمًا جديدًا: من يصمد؟ من يتّزن؟ ومن يملك قراره في لحظة تبدو فيها العواصم مثل سفنٍ تائهة في بحر من نار؟
الجواب – برأيي – لم يكن بحاجة إلى كثير عناء: قطر بخير.
لأنّها لم ترفع صوتها في زحام الضجيج… بل رفعت منسوب وعيها
قطر، التي تقف في قلب الإقليم المشتعل، لم تكن يومًا من دعاة الصراخ، ولا من هواة اصطفاف المحاور. بل آثرت – على مدى سنوات – أن ترسم طريقها بشروطها، بكرامةٍ صلبة وهدوءٍ مدروس.
في ظل التصعيد الإيراني الأخير، التزمت قطر نفس نهجها: ثبات في الموقف، تأهب في الداخل، انفتاح في الحوار، وحرص على ألّا تكون جزءًا من لعبة النار الكبرى.
هذه ليست سياسة انكفاء… بل شجاعة التوازن وسط الجنون.
منذ متى كانت الجغرافيا قدرًا؟
في منطقةٍ يغدو القرب الجغرافي فيها لعنةً أحيانًا، حوّلت قطر موقعها إلى ميزة لا مأزق. لم تُغيّر جلدها في كل عاصفة، ولم تتنصّل من مسؤولياتها حين تعقّدت الملفات.
بل مارست دورها بدقة الجراح، وبصبر البنّاء. وهنا يكمن الفارق: أن تكون قريبًا من النار، دون أن تحترق، يعني أنك تُجيد قراءة الريح، وتثق بجدران بيتك.
قطر بخير… لأنها تبني السيادة لا تستعيرها حين يُدق طبول الحرب، وتتشابك الحسابات العسكرية، تظهر المعادن الحقيقية للدول. وقطر – منذ سنوات الحصار وحتى لحظة التصعيد الإيراني الأخير – أثبتت أنها لا تُدار من الخارج، ولا تستورد ردود أفعالها من مراكز النفوذ.
إنها دولة تعرف حجمها، لكنها تعرف أكثر حجم حضورها ووزنها وكلمتها. ولذا لم تُلقِ بنفسها في الأتون، لكنها لم تنسحب أيضًا من مسؤولياتها الإنسانية والدبلوماسية.
“قطر بخير”… ليست جملة عاطفية بل نتيجة تجربة
هي جملة نحملها اليوم بملء اليقين، بعد أن رأينا من يسقط تحت هول الانقسامات، ومن يتلاشى صوته تحت المظلات، ومن تذوب سيادته تحت أول صفارة إنذار.
قطر بخير… لأنّها تتصرف كدولة لها مشروع، لا كهامش في مشاريع الآخرين. لأنّها ترسم السياسة كما ترسم البنى التحتية: بتصميم، وتراكم، وإصرار على الجمال والإتقان.
في زمن الضربات والمناورات، قد يبدو الصمت ضعفًا… لكن في مدرسة قطر، الصمت المحسوب يعني حكمة، والهدوء المدروس يعني أنك لست مجرّد ورقة في مهب الريح.
في الختام…
لسنا بحاجة أن نثبت لأحد أن قطر بخير. لكن حين تتصاعد الأصوات، وتتشابك الظنون، وتُستهدف الرموز، يصبح من حقّنا – بل من واجبنا – أن نقولها بصوت عالٍ:
نعم، قطر بخير. لأنها دولة لا تُشترى، لا تُستفَز، لا تُربكها الطائرات ولا تُخيفها الضربات.
قطر بخير… لأنها تعرف كيف تصنع مكانها في خريطة يلتهم فيها الكبار بعضهم بعضًا.