الأحد, يونيو 22, 2025
الرئيسيةمقالاتنداء لرؤية وطنية جامعة ..بقلم د.إسماعيل الحكيم..

نداء لرؤية وطنية جامعة ..بقلم د.إسماعيل الحكيم..


بينما تتجه أنظار العالم نحو تصاعد التوتر الإقليمي بين إيران وإسرائيل، ويشغل هذا الصراع العنيف مراكز القرار والتحليل، تتوفر لنا في السودان لحظة تاريخية نادرة — لحظة خفوت نسبي في صخب الإعلام الدولي — لتمكننا من إعادة تعريف ذاتنا الوطنية، وترتيب أولوياتنا، ورسم معالم سودان جديد من رماد الحرب وويلاتها.
خاصة أن السودان خسر أكثر مما ينبغي بسبب غياب الرؤية، واستُنزفت قواه في دوائر الطائفية والقبلية والمصالح الضيقة، حتى أصبح “الوطن” ذاته مفهوماً باهتاً في وجدان كثيرين ، يُستدعى فقط عند النشيد والدماء إن لم يكن مفقوداً . واليوم وأكثر من أي وقت مضى، يفرض علينا الواجب الأخلاقي والتاريخي أن نصوغ رؤية وطنية صلبة، لا تُصنع في الغرف المغلقة ولا في شعارات المناسبات، بل في ضمير مجتمعنا وعقله الجمعي، رؤية :-

  • تعالج جراح الماضي بلا تجميل ولا إنكار، بل باعتراف شجاع ومسؤول يُؤسس للمصالحة لا للمكايدة.
  • تستوعب تعقيدات الحاضر بكل تناقضاته، وتعترف بعمق الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون اختزال.
  • وتستشرف مستقبلاً يُبنى على مشروع دولة حديثة، تضع المواطن لا القبيلة في قلب المعادلة، وتُعيد الاعتبار لمفاهيم العدالة والنزاهة والمواطنة المتساوية.
  • لقد آن للسودان أن يغادر مربع الولاء الضيق للطائفة والقبيلة والجهة، إلى فضاء الدولة الوطنية الجامعة الفسيح . إذ لم يعد مقبولاً أن تتحكم عصبيات الدم والجغرافيا في مصائر أمةٍ بأكملها، وأن تبقى مفاصل القرار مرهونة بولاءات ما قبل الدولة.
  • نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، يعترف بأنّ السودان ليس ملكاً لفئة، أو حقاً لمؤسسة، أو رهناً لأجندة خارجية، بل وطنٌ لجميع أبنائه، لا فضل فيه لقبيلة على أخرى، ولا تمايز إلا بالكفاءة، ولا سلطة تعلو على القانون .
  • ليس المطلوب أن نبني سوداناً بذاكرة مثقوبة شائخة تنسى ضحايا الحرب والفساد والتهميش، ولا نحتاج إلى رؤية انتقامية، إنما إلى عدالة انتقالية نزيهة وشجاعة، تُقر بالحق وتعاقب الجريمة، وتستند إلى الاخلاق دون أن تهدم إمكانية التعايش أو تعتمد على الجهوية والفوضى ..
    وأحسب أن أولى لبنات الرؤية الوطنية هي إعادة تعريف “المواطنة”، لا كامتيازات تمنحها السلطة، بل كعقد متكافئ من الحقوق والواجبات. لا مواطنة بلا كرامة، ولا كرامة بلا دولة، ولا دولة بلا قانون يسري على الجميع.
    إذا ًفلنرفع هذا المبدأ دستوراً عنوانه لا صوت فوق صوت القانون، ولا مصلحة فوق مصلحة الوطن.
    لقد غاب السودان طويلاً عن المشهد الدولي لصالح نزاعات الآخرين، ولكن في لحظة الانشغال الإقليمي الراهن، تتوفر لنا نافذة استراتيجية نادرة لننقذ وطننا من أن يتحول إلى ساحة عبور لصراعات الآخرين.
    دعونا نستغل هذه اللحظة لا للصمت، بل لإطلاق مبادرة وطنية جامعة، تتقدمها الشخصيات المعتدلة، والنخب الفكرية، والشباب الطامح، وكل من لم تتلوث يداه بدم أو فساد.
    اللحظة تفرض على الجميع أن يتجاوزوا الحسابات الصغيرة، وأن يواجهوا أسئلة المصير بشجاعة:
    هل نريد وطناً حقيقياً؟
    إذا كانت الإجابة “نعم”، فالبداية من رؤية وطنية صادقة، تؤمن بأننا يمكن أن نختلف في الآراء، لكن لا ينبغي أن نختلف على الوطن.
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات