أبلت شريحة التجار بلاءً سيئة جداً في هذه الحرب الدائرة رحاها في فاشر السلطان، وأبدت القسوة والوحشانية ضد المواطنين المحاصرين، مستغلة حالة السيولة الأمنية، وانشغال الجيش والقوات النظامية الأخرى بخوض معارك ضارية ضد القوى الباغية على أمن، واستقرار المواطن، مقدمين الأرواح والدماء رخيصة للوطن.
تلك الشريحة استحبت على نفسها مواجهة المدنيين-الذين يواجهون القصف المدفعي اليومي- بأساليب الجشع والاحتكار وكل أنواع الاستغلال لا لشيء سوى مضاعفة معاناة الناس لتفوق مأساة القذائف والمتفجرات التي تطلقها المليشيا عليهم بصورة مستمرة على مدار عقارب الساعة.
في هذه الحرب، قدم الجيش السوداني والقوات المساندة له، تضحيات جسيمة للزود عن الأرض والعرض، والسعي نحو توسعة الرقعة الأمنية، وإعادة إدخال الطمأنينة في قلوب المواطنين. وبرز كذلك الجيش الأبيض من الأطباء، والطواقم الصحية، في صورة بهية تتجلى فيهم منعكسات الإنسانية، رغماً عن المخاطر والمهددات، وهم يضمدون الجراحات ويعالجون المرضى والمصابين، وفي ذات الصورة، توهج فيها بريق أجهزة الإعلام ورجال الصحافة، في تسليط الضوء على الحقائق الماثلة، وتمليك الرأي العام العالمي خفايا وخبايا ما يجري على الميدان، خصوصاً، تداعيات الحرب على الأوضاع الإنسانية، منها يستفيد، القانونيون، ومدافعو حقوق الإنسان بملاحقة المتورطين في الفظائع، واتخاذ القرارات الناجزة لتحقيق العدالة القانونية للضحايا.
لكن شريحة التجار، قاصمة الظهر، بل الخنجر المسموم على ظهور المواطنين، خذلت الجميع، وسقطت في امتحان الوطنية، فهي لاتبالي ولاتكترث بما يجري على الأرض والتضحيات التي يبديها تلكم الشرائح، فهمها الإحتكار ومضاعفة الأسعار حتى وإن مات الناس جوعاً.
كل تركيزها، أكل أموال الناس بالباطل، وإن فاق محاذير السُحت. فشق التجار على الأمة الإسلامية بتخزين واحتكار السلع ومضاعفة الأسعار، وتوهموا بأن حصائل السحت تبنى لهم أمجاداً سرمدياً، وغرفاً من الذهب والفضة، وتناسوا أن الثراء الحرام الذي تتكاثر بالسرعة المفرطة، أشبه بسرعة الصاروخ الذي ينطلق من منصته، لكنه سيعود حتماً إلى الحضيض مرة أخرى، بذات السرعة أو أكثر منها.
روى أحد التجار بالفاشر:” إنه رأى في منامه شخصاً كريماً يوبخه، ويحك يا هذا لماذا تشقون على الناس ببيع هذه المواد الغذائية بأسعار فاحشة؟ ألا تتقون الله عز وجل وتخشون عقابه؟ أم أَمِنتم مكر الله؟ ثم تكرر عليه المشهد ثانياً، ثم استيقظ وتوضأ وصلى ركعتين معلناً توبته، وقرر في نفسه تقسيم أمواله إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تصدق بها للمحتاجين، أما الثانية فخفض بها الأسعار فوراً، أما الأخيرة احتفظ بها بمنزلة رأسماله، وأقسم الرجل يميناً ما أن فعل هذا حتى بورك في أمواله، ولمس في ذات اليوم أن أسعار بضائع الموردين شهدت انخفاضاً، فاشترى كفايته وبيعها للناس بهامش ربح قليل، واستطاع (بحسب كلامه) من تسويق كل معروضاته جميعها في ذات اليوم، بل استرد كل الأموال التي تصدق بها، والتي خفض سعرها.”
الاستقراء من تلك الرواية أن هذا التاجر قد بعث برسالة خص بها أقرانه، أن الضغط على الناس في معاشهم، وأكل أموالهم بالباطل لا يمضي إلى غنىً، بل إلى فقر وفاقة، وأن الرضاء بالقليل المبارك خير من الكثير المهلك،
وأن تأنيب الضمير وإيقاظه من وهم الجشع واستغلال الناس في ساعات العسر، هو معراج نحو الرأسمالية الحقيقية والإنسانية الصادقة.
فالمتسوقون يشترون حاجاتهم اليومية تحت وطأة الضرورة لأجل إنقاذ حياة أطفالهم وعوائلهم من المرض والموت.
فشخص ما، يضطر لشراء ملوة دخن بنحو 50,000 جنيه، أوكورة عدسية بنحو 35,000ج، أوقطعة صابونة غسيل بمبلغ 25000ج، أورطل السكر بواقع 40,000ج، هذا مثالاً لا حصراً، كلها يشتريها مرغماً وغير راضٍ بهذه الأسعار الحارقة التي يدونها التاريخ في سجلاته بأن تجار الفاشر، سقطوا في الفتنة بممارسة الإحتكار في مكونات الأكل والشرب، وتحكموا في أسعارها بناءً على أهوائهم، بل تجرأ الكثير من تلك الشريحة بإعلان حرباً على الله تعالى باستحلال الربا بخصم مبالغ أكثر من 50% بسبب ندرة السيولة النقدية.
كل ذلك لا لشيء سوى لخذلان أهل الفاشر المحاصرين ومحاربتهم من الداخل. فيا سيد رئيس الوزراء الانتقالي ماذا يتوقع منكم إنسان الفاشر المحاصر؟ ألكم خطة إسعافية عاجلة لإنقاذه من خطورة المجاعة وجشع التجار؟
Muhammed14209@gmail.com
الفاشر/16/6/2025