الأربعاء, يونيو 18, 2025
الرئيسيةمقالاتحين نطقت المسيّرات… صمتت الجبهات وانفجرت السماءبقلم: – كاتب وباحث مستقل...

حين نطقت المسيّرات… صمتت الجبهات وانفجرت السماءبقلم: [الطيب الفاتح أحمد الشمبلي ] – كاتب وباحث مستقل متخصص في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية، يركز على القضايا الإفريقية والخليجية.المجد نيوز

ما بين غفوة الدبلوماسية وصمت السياسة، كانت المسيّرات تكتب سيناريو حرب بلا إعلان.
لم تعد الحروب تُفتتح بتصريحات نارية أو تعبئة للجيوش، بل بأزيز خافت لطائرات بلا طيّار، تحمل على أجنحتها شيفرات اختراق، وقوائم أهداف، ورسائل استراتيجية من نوعٍ آخر.

في صيف 2025، تحوّل الشرق الأوسط إلى حقل اختبار لمعادلات الردع الجديدة، حيث تصارعت إيران وإسرائيل في سماء باتت بلا سيادة، وعلى جبهات لا تملك حق الردّ أو حتى رفاهية الإنكار.

الضربة الإسرائيلية في العمق الإيراني: من أين أُطلقت؟ ومن سمح لها بالمرور؟
في عملية وصفتها مصادر استخباراتية غربية بأنها “الأكثر تعقيدًا منذ عقد”، نفّذت إسرائيل هجومًا متعدد المحاور استهدف أكثر من 100 منشأة داخل إيران، من بينها مواقع نووية في نطنز وأصفهان، ومقار عسكرية تابعة للحرس الثوري.

لكن كيف نفذت تلك المسيّرات اختراقًا بهذا العمق؟ وكيف تمكنت من التسلل عبر أكثر أنظمة الدفاع الإيرانية تحصينًا؟

تقرير صادر عن تحالف الاستخبارات “فايف آيز” (Five Eyes) أشار إلى أن العملية، التي حملت الاسم الرمزي “Rising Lion”، اعتمدت على استخدام مسيّرات شبحية مطوّرة محليًا، بعضها أُطلق من داخل الأراضي الإيرانية نفسها، ما يطرح تساؤلات صادمة: هل تم تجنيد خلايا داخلية؟ أم أن “العدو” بات يسكن جوار المنشآت الحساسة؟

وبحسب تحليل صور أقمار صناعية نشرته Jane’s Defence Weekly، ظهرت أضرار جسيمة في منشآت صُمّمت لتحمّل ضربات جوية تقليدية، ما يُشير إلى استخدام ذخائر ذكية خارقة للتحصينات. أما Business Insider فقد أوضح أن تل أبيب سبقت الهجوم بموجات تشويش دقيقة عطلت أنظمة الردّ السريع الإيرانية، فهل انتهى عصر الدفاع قبل أن يبدأ؟

إيران تردّ… ولكن بحسابات مختلفة
لم يطل الصمت الإيراني طويلًا. فبعد أقل من 48 ساعة، أطلقت طهران عملية مضادة حملت الاسم “True Promise III”، تضمنت أكثر من 150 صاروخًا بالستيًا ومسيّرة هجومية استهدفت مواقع عسكرية داخل إسرائيل.

لكن التساؤل الأبرز: هل كان الردّ بحجم الضربة؟ ولماذا لم تعلن إيران رسميًا مسؤوليتها؟ وهل أصبحت “حرب اللا تبنّي” جزءًا بنيويًا من العقيدة القتالية للطرفين؟

رغم نجاح “القبة الحديدية” الإسرائيلية في اعتراض غالبية المقذوفات، أكدت تقارير إعلامية إصابة منشأة عسكرية قرب بئر السبع، وتضرر قاعدة جوية في النقب.

كما أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) إلى أن طهران استخدمت مسيّرات هجومية من طراز مماثل لما سلّمته لروسيا في أوكرانيا، ما جعل مساراتها مكشوفة جزئيًا أمام الدفاعات الإسرائيلية المدعومة بمنظومات غربية.

لكن المفاجأة كانت في استخدام إيران لنوع جديد من “المسيّرات المضلِّلة”، تُرسل إشارات وهمية وتفتح ممرات افتراضية، أربكت أنظمة التمييز وأجبرت الدفاعات الجوية على استنزاف ذخيرتها في اعتراض أهداف غير موجودة أصلًا.

من الجو إلى الأكواد: الحرب التي لا تُشاهد
ما لم يُشاهد بالعين المجردة، كان أخطر.

فوفقًا لمؤسسة RAND الأمريكية، لم يعد الصراع بين إسرائيل وإيران مجرّد قصف وقصف مضاد، بل تحوّل إلى “حرب شبكية مركّبة”.
حرب لا تُدار فقط من غرف العمليات، بل أيضًا من داخل خوادم مشفرة، ونماذج هجومية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وأنظمة خادعة تُصمّم للالتفاف على الردع التقليدي.

إسرائيل دمجت خوارزميات تنبؤية تعتمد على تعلم الآلة لرصد أنماط الهجمات وتحديد الأهداف، بينما نشرت إيران وحدات تشويش ميدانية متنقلة تُقلّد تقنيات روسية أثبتت فعاليتها في ساحات أوكرانيا.

الطرفان يعتمدان على “إنترنت تكتيكي مغلق”، يعمل عبر أقمار صناعية مزدوجة الاستخدام (مدنية – عسكرية)، في مؤشر على أن المسرح الحربي لم يعد محدودًا بالميدان فقط، بل بات ممتدًا داخل الشبكات والخوارزميات والمجال السيبراني.

فهل دخلنا حقًا عصرًا لم يعد فيه السلاح الأقوى هو القنبلة، بل البرمجية؟
وهل سيتحوّل “المهندس السيبراني” إلى الجنرال القادم؟

المدنيون بين الصواريخ… والأكاذيب
لم يُعلن أحد الحرب، لكنها اشتعلت.
في طهران، توقفت الحركة في بعض الأحياء الحساسة.
في تل أبيب، أُغلقت الملاحة الجوية لأيام وتأهبت المستشفيات.

في الجنوب اللبناني والجولان، نزح المئات بعد أنباء عن تعزيزات عسكرية غير مسبوقة.

صحيفة The Guardian نقلت عن أحد سكان طهران قوله:
“هذه ليست حربًا… بل شبح حرب. لا نعرف متى تبدأ أو متى تنتهي.”

المدنيون، كالعادة، هم الضحايا الصامتون:
بين رسائل الإنكار المتبادل، وصور الدمار التي تسابق النفي الرسمي، تقف الحقيقة عاريةً… في مرمى النيران، والإشاعات، والمعلومات المضللة.

الصمت الدولي… والمواقف الغامضة
رغم ضراوة التصعيد، لزمت واشنطن صمتًا مدروسًا، مكتفية بدعوات “التهدئة” دون أن تُدين الهجوم أو تُظهر موقفًا واضحًا.

أما المواقف الخليجية، فقد تراوحت بين التحفظ المعلن والتنسيق الأمني الخفي، في وقت تزداد فيه المخاوف من توسع دائرة الاستهداف لتطال المضائق والموانئ وحقول النفط.

في المقابل، لوحظ تراجع حدة اللهجة الروسية، وصمت غير معتاد من بكين، وكأن الأطراف الكبرى تراقب لتتعلّم… أو لتستعدّ للنسخة القادمة من هذه الحرب المركّبة.

من يملك مفاتيح الحرب؟ ومن يطفئ الحريق؟
لقد تغيّرت الحرب، وتغيّر معها منطق الردع ، لم تعد العواصم تُقصف بالمدافع، بل تُخترق بمسيّرات تعرف طريقها جيدًا، وتفتح بوابات الجحيم بهدوء شديد.

السيادة الجوية باتت نسبية، والسيطرة المطلقة صارت حلمًا قديمًا.

حين نطقت المسيّرات، صمتت الجبهات.
لكن السماء انفجرت… وها نحن نقف أمام فصل جديد من صراع بلا نهاية.

صراع تُخاض فيه المعارك دون إعلان، وتُرسل فيه الرسائل بلا كلمات.
صراع لا يُعرف متى ينفجر… أو إن كنا نعيشه أصلًا الآن.

فمن يملك الآن مفتاح الإطفاء؟
وهل اقتربنا من اللحظة التي تسبق الانفجار الكبير… أم أننا نعيشها بالفعل؟

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات