كثيرة هي الأخبار (المضروبة) التي تعج بها الأسافير خاصة تلك التي يكون مصدرها مقطوع السند ، واعتاد الناس على مطالعة مثل هذه الأخبار بتركيز ضعيف وتفاعل فاتر ينتظرون نفيها من الجهة المعنية بها.
وأحياناََ يحمل الخبر بين طيات حروفه بذور نفيه وهذا النوع ذاتي الفناء (سريع الذوبان) ولا يحتاج إلى قوة نفي خارجية، ودائماََ ما أجد نفسي أنصرف عن متابعة هذا النوع بمجرد قراءة أول جملة فيه بعد العنوان.
خبر برقية التهنئة التي بعث بها رئيس دولة تشاد (المشير) محمد إدريس دبي إتنو، الملقب تدليلاََ ب (كاكا) إلى الرئيس البرهان بمناسبة العيد ، كان محل شك وريية عندي للوهلة الأولى واعتبرته خبراََ لقيطاََ فاقداََ للسند، مخالفاََ لواقع الحال.
لكن إعلام مجلس السيادة الإنتقالي أكد الخبر فقطع بهذا التأكيد دابر الشك وبدد الريبة فالخبر صحيح مائة بالمائة ولا غبار عليه وهو ما أطلق عنان الدهشة والاستغراب لدي ولدى الجميع ، وحُق لهم الاندهاش والاستغراب ، ففي خضم حالة العداء التي خلقها الرئيس كاكا بدعمه الواضح والمعلن غير المستتر لمى ليشيا آل دقلو الإره ابية وفتح أراضيه لتمرير الأسلحة والدعم اللوجستي للمى ليشيا على مدى أكثر من عامين، وإساءة حكومته معاملة اللاجئين السودانيين في بلاده، ورفضه عقد إمتحانات الشهادة الثانوية السودانية للطلاب السودانيين المتواجدين هناك.. إلى آخر ما لا يمكن أن نحصيه هنا من العدائيات تجاه السودان وشعبه.
في خضم كل هذه السلوكيات المعادية من جانبه وعلى نحو مفاجئ يبعث الرئيس كاكا برقية تهنئة بالعيد عبر فيها بإسم شعبه وحكومته وبإسمه هو شخصياً عن (أحر) التهاني و(أصدق) التبريكات (مقرونة) ب (أطيب) تمنيات (الصحة) و (العافية) للرئيس البرهان وللشعب السوداني!!!
أجزم بأنه ما من برقية تهنئة بالعيد من بين عشرات البرقيات التي تم تبادلها بين الرؤساء حظيت بإهتمام الصحافة المحلية والاقليمية والعالمية بمثلما ما حظيت به برقية كاكا ، فبرقيات التهنئة بالأعياد الدينية والوطنية بين الرؤساء والملوك ورؤساء الحكومات هي من قبيل الأمور الروتينية المراسيمية وهي من قبيل المجاملات المعتادة وذلك عندما تكون حالة العلاقات بين الدول طبيعية، لكن في حالة سوء العلاقات وتدهورها للمستوى الذي وصلت إليه علاقات السودان بتشاد فإن الأمر يستحق الإهتمام..
جون بوغارت محرر صحيفة نيويورك صن له عبارة شهيرة بخصوص أهمية الخبر “إذا عض كلب رجلاََ فهذا ليس خبراََ ، ولكن إذا عض رجل كلباََ فهذا خبر”.!!
تنطبق هذه العبارة نصاََ وروحاََ على برقية الرئيس كاكا لذلك فقد اهتمت بها الصحافة وقتلها المحللون السياسيون تشريحاََ وتحليلاََ ، ولا شك أن دبلوماسيينا المعنيين بالعلاقات الثنائية مع تشاد لم يبرحوا عليها عاكفين محللين باعتبارها تطور شديد الأهمية وحدث ربما يؤسس لنقطة تحول في هذا الملف.
وعلى ذات النهج فإن المعنيين في المخابرات يفعلون الشئ نفسه منقبين لهذا الحدث من بين يديه ومن خلفه، دوافعه الحقيقية وأسبابه ، وهل هو مجرد مناورة جديدة من مناورات كاكا ، أم أن وراء الأكمة شيء آخر.
هل جاءت برقية كاكا بمناسبة العيد بما مضى من حيل ومخادعة وكذب ومنافقة ، أم بأمر فيه تجديد..
حقيقة الإجابة على هذا السؤال في هذا التوقيت ليست هينة فالمخادع والمنافق يظهر خلاف ما يبطن، ومن عهد عنه الخداع والنفاق والكذب والعدوان من الصعب تصديقه ويكون الأمر أكثر تعقيداََ إن كان رهينة عند آخرين وأداة في أيديهم يوجهونها حيثما يريدون.
لكن في نفس الوقت لا يمكن استبعاد فرضية (الجديد) بمعنى أن يكون الرجل صادقاََ في ما حملته برقيته من مشاعر طيبة وأنه بها يقدم (قيدومة) خير ، وعربون لفتح صفحة جديدة بيضاء للناظرين خالية من كل صور وأشكال العداء التي سلفت منه ضد بلادنا وشعبها الذي تمنى له في برقيته الأمن والسلام والإستقرار.
الأيام القادمة ستكشف عن حقيقة توجه الرئيس كاكا وما إذا كان صادقاََ فيما عبر عنه من مشاعر طيبة، أم أن الأمر محض مناورة وغطاء لعمل عدائي جديد..
والموية تكضب الغطاس..