الإثنين, يونيو 2, 2025
الرئيسيةمقالاتالخرطوم في زمن الكوليرا… أغنيةٌ حب لا تنتهي ...

الخرطوم في زمن الكوليرا… أغنيةٌ حب لا تنتهي ة بقلم : ابوعبيده احمد سعيد

في رواية “الحب في زمن الكوليرا” للكاتب الكاريبي غابرييل غارسيا ماركيز، كان العاشقان ينتظران عمرًا كاملًا ليلتقيا من جديد على ضفاف نهر ماجلينا، متحدين كل الأوبئة وكل الحروب. واليوم، في قلب الخرطوم، نشهد حكاية شبيهة: حبٌّ يرفض أن ينكسر، حتى أمام الدمار والكوليرا التي تغتال العافية.
الخرطوم… مدينةٌ ولدت من رحم النيلين، وتكوَّنت من عناق ثلاث مدن: الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري. هذه المدينة التي كانت في زمنٍ قريبٍ مرتعًا للموت والحرب، عادت اليوم حرةً من قبضة المليشيات، نازعةً عنها ثوب الحصار، متمسكةً بحقها في الحياة والحب.
في أم درمان، مدينة صالحة، تقاطرت دموع الفرح وأصوات التكبير حين تحررت الخرطوم. كان الناس هنا يرددون أغنية عبد الكريم الكابلي:
“هَبَّتْ الخرطوم في جنح الدُجى، ضمَّدت بالعزم هاتيك الجِراح”
وكأنها بشارةٌ تُحاكي صمود العاشقين في زمن الكوليرا: عهدٌ على البقاء، مهما طال الدرب ومهما اشتد الداء.
لكن الخرطوم لا تُحكى فقط بالكلمات. فصوت طه سليمان، في أغنيته “سنتر الخرطوم”، التي ظلت رغم الانتقادات تغازل شوارع المدينة وتوثّق حضورها حتى في عزّ الحرب، كان صوته شاهداً على روحٍ لا تموت، في تكايا شمبات، حيث رائحة القهوة والمآذن التي لا تنام، كان طه سليمان حاضرًا، يُحيي ضمير المدينة ويوقظ فيها عشقًا قديمًا
وكما غنّى الكاشف لشمبات في أغنيته “تحت فيحاء الخميلة كنا”
“والأطيار تغني وترقص الأطيار… تغني بيننا أوجه جميلة
كان شاعرنا الجميل عبد الرحمن الريح ينقلنا في تلك اللحظة إلى لوحةٍ شعرية من نسيم جداول مويه كابه واطيار واوجه جميلة وفي تلك الجداول، يغتسل قلب المدينة، ويُعجن بالأمل من جديد.
ولأن هذا الحب للخرطوم لا ينتهي، جاء صمود الفنان عاطف السماني بأغنيته
“طريق حبك فرح عمري وطريق الجنة للشقيان”
“حب فوق كلام الحب”
ليرسم لنا صورةً عن حبٍّ يشبهنا، حبٌّ لا ينهزم ولا يشيخ، لأن حبنا للخرطوم هو فرح عمرنا
في الخرطوم حب لا يعرف غير المحبوب ….. هكذا يردد العاشق السوداني، كما رسم شاعرنا عبد الرحمن الريح
“خليهم يقولوا…في الحب العذري كل زول مفتون بزولو”
فلا صوت يعلو فوق صوت من نحب، ولا معنى لكل الهمسات إن لم يكن المحبوب حاضرًا في القلب.
ومثلما عاد العاشقان في زمن الكوليرا، تعود الخرطوم اليوم إلى العافية، شامخةً على ضفتي النيل.
الكوليرا التي حاولت أن تخنق أنفاسها، لم تُفلح في قتل روحها. أغنياتنا القديمة تُغني في شوارعها ابن الدبيبة الفنان سيد خليفة
“يا الخرطوم العندي جمالك جنة رضوان
والكورال الجماعي لمجموعة عقد الجلاد
“يا جمال النيل والخرطوم بالليل”
كلها شواهد على مدينةٍ لا تموت… على عشقٍ لا يشيخ
الخرطوم التي عانقتنا ونحن صغار، واحتضنت فينا أحلامنا وأغانينا، تستحق أن نعيد بناءها حجراً حجراً، كما نعيد ترميم قلوبنا بعد الفقد. فهي ليست مجرد مدينة، إنها حبٌّ طويلٌ، صادقٌ، لا يموت
وتغتسل الخرطوم من داء الكوليرا بديتول الحب الذي كانت تنظف وتطهر به المدينة مع بزوغ فجر كل يوم. يعود الناس إلى محبوبتهم، إلى مدينتهم. فهل يعود الحبيب كما عاد شاعرنا صديق مدثر أبن الهاشماب وتغنى موسيقار الاغنية السودانية ابن صواردة وردي
“عاد الحبيب فعادت روحي
وعاد شبابي
يا شوق مالك دعني
أما كفاك عذابي؟
لقد شربت دموعي
أما سئمت شرابي؟
عاد الحبيب فعادت
إلى أحلى الليالي”
فلنعد للخرطوم، لتعود أحلى الليالي.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات