في قلب إفريقيا، حيث تتقاطع القارات وتتزاحم المصالح، تتوارى دارفور خلف دخان الحروب وركام المعاناة، كأنها قدر لا يُؤجَّل. أرضٌ غنيةٌ بالتاريخ والتنوع، تحوّلت إلى مرآة للنكبات المتكررة، وساحة مفتوحة لنيران لا تنطفئ. كيف لمنطقة بهذا الزخم الحضاري أن تُترَك في مهب الحروب؟ ولماذا تُصرّ النيران على التهامها، بينما يلوذ العالم بصمتٍ ثقيلٍ كالموت؟
ذاكرة الحريق
ليس تاريخ دارفور مجرد صفحات مطوية في كتب التاريخ، بل جرح مفتوح ينزف منذ أواخر التسعينيات. إبادة جماعية، قوافل نازحين، وبلدات أُحرقت في لحظة غدر. ملايين أُجبروا على ترك ديارهم، لا يحملون معهم سوى الخوف والحنين. كيف استمرت هذه المأساة كل هذا الزمن؟ هل لأن المصالح الدولية قررت غضّ الطرف؟ أم لأن هناك من يرى في استمرار الحرب تجارة مربحة؟ أليس في هذا التواطؤ الصامت جريمة أخرى لا تقل فظاعة؟
نيران الحاضر
دارفور اليوم ليست مجرد جغرافيا نزاع، بل صارت مسرحًا تتقاطع فيه حسابات الإقليم وصراعات القوى الكبرى. السودان الممزق، بضعفه السياسي وتناحر نخبه، صار بيئة خصبة لتصفية الحسابات. فهل دارفور مجرد ساحة خلفية لتجاذبات خارجية؟ أم أنها قلب معركة جديدة تُرسم على خرائط لا يعرفها أبناؤها؟
ورغم كل هذا، العالم يشيح بوجهه. الإعلام العالمي لا يمنح دارفور سوى فتات الاهتمام، وكأن الدم هناك أقل قيمة. فهل هو نسيانٌ متعمد؟ أم أن دارفور خارج خرائط “الاهتمام الاستراتيجي”؟
أسئلة تحترق
من سيُوقف النار؟
هل يمتلك السودان ما يكفي من الإرادة لكسر هذه الحلقة الجهنمية؟ وهل يستطيع الداخل السوداني أن يستعيد زمام المبادرة قبل أن تبتلعه الأطماع الخارجية؟
وأين المجتمع الدولي؟ هل ما زال في قاموسه مصطلح “التدخل الإنساني”؟ أم أن دارفور أُخرجت من حسابات السياسة والأخلاق معًا؟
صرخة الضمير
“النار التي لا تُطفأ” ليست وصفًا شعريًا، بل واقعًا يُلهب الذاكرة والوجدان. إنها وصمة في جبين الإنسانية، واختبار فاضح لفشل العالم في منع تكرار المأساة. دارفور لا تطلب المستحيل، بل فقط: أن يُرى شعبها، أن تُسمَع صرخاته، وأن يُسمَح له بأن يعيش.
فهل سيبقى الحريق شاهدًا على عجز العالم، أم أن هناك بارقة أمل تُولد من تحت الرماد؟ هل يمكن أن تُكتب نهاية لهذه القصة الموجعة، أم ستظل دارفور سجينة النسيان والنار إلى أجلٍ غير معلوم؟