لقد أثبتت التجارب الماثلة ، أن الحروب الكبرى لا تُدار بالعسكر وحدهم ، بل تحتاج إلى ظهر مدني قوي ينهض بالأعباء الاقتصادية والخدمية والإدارية ، وهذا بالمقابل يمكّن الجيش من التفرغ الكامل لإدارة المعركة عسكرياً. فهل ندرك خطورة استمرار هذا الفراغ؟ وهل يعي المعنيون حجم الأضرار التي تترتب على غياب القيادة التنفيذية في لحظة مصيرية كهذه؟ففي خضم حرب الكرامة التي يخوضها السودان دفاعًا عن الأرض والعِرض والسيادة ، برزت الحاجة الملحة إلى حكومة طوارئ وطنية تتحمل عبء المرحلة، وتقوم على إدارة شؤون البلاد الداخلية، تاركة للجيش كامل المساحة للتركيز على حسم المعركة وسحق المليشيا المتمردة إلى الأبد بحول الله وقوته. إلا أن غياب رئيس مجلس الوزراء المكلف عن المشهد، ترك فراغًا واضحًا في القيادة التنفيذية ، مما يطرح تساؤلات وطنية كبرى لا يمكن تجاهلها.
فمنذ تكليف السفير دفع الله الحاج رئيساً لمجلس الوزراء ، لم يُر للرجل أثر في ساحات القرار، ولم تُسمع له كلمة في محطات المسؤولية، وكأن التكليف كان إجراءً شكليًا لا يعكس إرادة فعل حقيقية لإنقاذ الوطن في أكثر لحظاته حرجًا. فكيف يمكن لدولة تواجه أخطر تهديد وجودي أن تفتقد إلى قيادة تنفيذية فاعلة رغم وجودها ؟ وكيف يكف المكلف بإدارة الحكومة عن أزمات الناس ويرى ويسمع، انهيار الخدمات ، وتضخم الأسعار، وتشرذم المؤسسات، وسط حرب تستنزف البلاد والعباد؟
إن صمت رئيس الوزراء المكلف لا أحسبه غياباً فحسب ، بل لربما كان انعكاسٌاً لأزمة سياسية أعمق ، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول طبيعة الترتيبات الانتقالية، ومدى الجدية في بناء دولة مؤسسات تنهض على الواجب دون مجاملة أو تراخي. وإذا لم يكن الآن وقت تولي المسؤوليات بشجاعة وتجرد، فمتى؟
إننا في مرحلة لا تحتمل الانتظار ولا تسمح بالتسويف ، ولا تعرف التردد والغياب ..
السودان بحاجة ماسة إلى حكومة مهام وطنية فاعلة، حكومة حرب لا حكومة مناصب ، تنقذ ما تبقى، وتؤسس للمرحلة القادمة بثقة ومسؤولية.
ويبقى السؤال مفتوحًا ومُلِحًا أين رئيس الوزراء المكلف؟ ولماذا يغيب حين يحضر الوطن كله في ساحة المعركة؟ Elhakeem.1973@gmail.com