مصيبة السودان الأزلية أن ساعة الزمن لا تتقدم للامام بل تعود إلى الوراء ألى نقطة البداية … والشاهد هنا أن السودان الذى يعتبر من أوائل الدولة الأفريقية التى نالت استقلالها إلا انه يقبع فى زيل الدول التى انطلقت بمشروع وطنى يقوم على ثوابت مجمعاً عليها ويصونها دستور قومى يحفظ للدولة هيبتها وسيادتها الوطنيّة، وربما يكون الانقسام الذى حدث عند طلائع الحركة الوطنية ممثلة فى مؤتمر الخريجين دفع بالقضايا الوطنية من محطة كيف يحكم السودان الى محطة من يحكّم السودان ؟؟
من يحكم السودان قاد إلى تعقيد الأزمة الوطنية والتى تزداد كل يوماً اتساعاً… بين عسكرة السياسية والمظلة الطائفية تم تهميش حقوق المواطنة التى تمثل أشواق الشعب السودانى …
غياب حقّوق المواطنة التى يقننها الدستور القومى جعل السودان محكوماً بأوامر البيان العسكرى رقم ١، او (بوثيقة دستورية) يعبر تعريفها عن ضعفها وفقدانها إلى متطلبات التحول الديمقراطي… وهكذا تبدو المسافة شاسعة بين أشواق الشعب السودان وبين من يفرضون قوتهم لحكم السودان … وحتى الوسيلة للوصول للسلطة هى العنف بكل اشكاله، والحرب الحالية تمثل تجسيداً واضحاً لفرض العنف لحكم السودان..!!
نتيجة الحرب الحاليّة انه تم (تصفير) عداد السودان … والإشارة هنا للإبادة الجماعيّة… الدمار الشامل وتمزيق النسيج الأجتماعى بأرتفاع النبرات العنصرية …!!
مؤتمر لندن اليوم تجسيداً واضحاً لعمق الأزمة الوطنية، ويبدو واضحاً ان العالم قرر ان يفرض وصايته على السودان بعد ان اقتنعوا جميعاً بانه لا افق لحل قريب وفى كل يوم تزداد معاناة المواطن خاصة بعد ان أضحت الجرائم ضد الانسانية تمارس بكلّ مستوياتها… وهكذا يبدو ان (تصفير) عداد السودان قد أعادنا إلى الحكم الثنائى الأنجليزى- المصرى، ومن الواضح انهما الدولتان اللتان يتوليان امر السودان.
المؤتمر يتوقع ان يشارك فيه ٢٠ وزير خارجية وكل منظمات المجتمع المدنى العالمية والفاعلة فى المجالات الإنسانية المختلفة… ويعتبر هذا العدد الضخم من المشاركين يمثل اكبر تجمع عالمى ومن هنا تأتى أهميته خاصةً ان الأمم المتحدة والتى تشارك بأمينها العام ستستجيب لكل توصياته، وهنا لن ينجح (الفيتو الروسى) او (الصمت الصينى) فى ترجيح موقف حكومة الأمر الواقع…!!
اذاً فالسودان دخل مرحلة التدويل الكامل لأزمته الوطنية … والعالم هنا لن ينظر للحلول من خلال مفهوم السيادة الوطنية، بل سيهتم فقط بالجانبين الانسانى وعدم اتساع رقعة الحرب إقليمياً… ومع ذلك يبدو أنّ مقترحات حمدوك هى الأقرب لمشروع الحلّ الدولى.
مصر تتحرك إقليمياً فى محاولة لتأكيد تأثيرها على مجريات الأمور فى السودان وهى الطامعة فى موارده بنفس قدر اهتمامها بتأثيرات الحرب السودانية على أمنها القومي…!!
السودان الذى يعيش الان مرحلة التصفير يحتاج إلى جبهة داخلية قوية ومتماسكة بعد ان أفرزت هذه الحرب اللعينة الانقسامات المجتمعية … بدون جبهة داخلية متماسكة… قوية ومتحدة سيجد السودان نفسه تحت الوصاية الدولية وحينها لن ينفع الندم والبكاء على اللبن المسكوب….
د/ محمد المهدى نصر
الولايات المتحدة الامريكية
ولاية أيوا – كوراڤيل