نعي الناعي الأربعاء الماضي سعادة الفريق الفاتح عروة وهو من أفضل الرجال الذين مروا علي السودان .
تخرج ضابطا في الكلية الحربية وعمل في سلاح المدفعية ثم درس الطيران لاحقا .
تولي منصب مسؤول القرن الأفريقي في قسم الأمن الخارجي الذي ترأسه العميد عثمان السيد بجهاز الأمن في عهد النميري .
شغل وظيفة القنصل في السفارة السودانية بروسيا وعمل ملحقا أمنيا في أديس أبابا ومندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة ووزير الدولة للدفاع في عهد الإنقاذ ثم العضو المنتدب لشركة زين للإتصالات .
كأنما كان يسير علي خطي والده اللواء محمد أحمد عروة عضو المجلس العسكري ووزير الداخلية في عهد الفريق إبراهيم عبود في تطوره العسكري والسياسي .
كون الثلاثة إدارة فريدة للأمن الخارجي لمايو ، هو والعميد عثمان السيد مدير القسم والسفير في إثيوبيا من بعد والعقيد جعغر حسن صالح وزير التجارة في عهد الإنقاذ وأول سفير في إريتريا عند نشأتها بعد نهاية حكم الديكاتور منقستو في اثيوبيا .
تولي الثلاثي وأنجزوا عملا كبيرا في القرن الأفريقي وهم الذين قاموا علي التغيير في إثيوبيا إذ كان نظام الرئيس منغستو معاديا بشراسة للسودان وداعما لحركة قرنق .
كان الرئيس الإثيوبي مليس زيناوي يقود قواته وحركته من بريطانيا وعندما تولت مجموعتهم الحكم وكان إسمها ( الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا ) حضر الرئيس زيناوي وحط في الخرطوم وهو في طريقه لبلاده .
تزامن وصوله الخرطوم مع إنعقاد مؤتمر للقمة الافريقية في السنغال وأراد الرئيس زيناوي السفر من الخرطوم إلي عاصمة السنغال داكار لحضور المؤتمر .
نصح الرئيس عمر البشير زيناوي ألا يذهب للمؤتمر وهو لم يطأ ارض عاصمته بعد .
علي متن طائرة صغيرة من طراز السيسنا قادها العميد الفاتح عروة سافر زيناوي رفقة وزير خارجيته من بعد سيوم مسفن .
لم تكن العاصمة أديس أبابا قد تأمنت بعد والطيار المغامر عروة يهبط بها في مطار العاصمة التي لم يتوقف رصاصها بعد .
عرفت الفريق الفاتح عروة وإلتقيت به مرات قليلة ولكني عايشت أثره كثيرا .
كانت له سيرة عطرة في أديس وسط الاثيوبيين حكومة وشعبا وأيضا وسط الجالية السودانية وذلك بمساعداته وخدماته لها ولتواصله الحميم وحضوره الإجتماعي الكبير وسط الجالية .
للفاتح ذكريات ومواقف وملاحظات قيمة خلال مسيرته الغنية خاصة وان العمل الإستخباري غني بالوقائع المثيرة .
حكي لي أن مسؤول السودان في الأمن الروسي كان يتحدث اللهجة السودانية وكأنه مولود في قرية بالجزيرة رغم أنه لم يزر السودان مطلقا .
من الصفات الكريمة والخصال الحميدة للفاتح عروة الوفاء لكل من يعمل معه ويتولي شأنهم في إخاء وابوة وقد قام بتعيين ثلاثة من أفضل الضباط الذين عملوا معه في في الأمن في صحيفة أبن عمه الرجل الفاضل محجوب عروة ( السوداني ) وكانت من أكبر الصحف اليومية في عهد حكومة الصادق المهدي التي أعقبت الحكومة الإنتقالية للفريق سوار الدهب .
توليت إدارة التحرير في الصحيفة فراينا أن نستفيد بأكبر قدر من الضباط المميزين للفاتح فانشأنا لهم قسما للدراسات وقياس الرأي العام .
عهد ذاك إنتشرت الأقاويل ونشرت بعض الصحف عن تحركات لإنقلاب علي حكومة الصادق المهدي .
أعد قسم الدراسات إستبيانا كان سؤاله المحوري ( هل تتوقع إنقلابا علي الحكومة ؟ )
كانت النتيجة توقعات تفوق التسعين بالمإئة بإنقلاب يطيح بالحكومة .
أغضب ذلك السيد رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي وظن أن الإستبيان عمل مقصود وتمهيد للإنقلاب فتم إعتقال رئيس التحرير محجوب عروة وأطلق سراحه في ٢٩ من يونيو .
من معتقله حضر محجوب عروة للصحيفة وطلب مني أن نصدر عددا ذاك اليوم الذي كان عطلة الصحيفة الإسبوعية بمناسبة إطلاق سراح رئيس التحرير ورأيت ان الوقت تأخر ولا نستطيع أن نوزع العدد الذي سيصدر حتما صباح اليوم التالي .
كان اليوم التالي هو يوم أن وقعت الواقعة وكان ذلك سببا ليظن مححوب أنني كنت علي علم بالإنقلاب ولم أخبره كان ظنه بسبب علاقة أسرية تربطني بالسيد الرئيس عمر البشير .
كنت أداعبه بأني حفظت الصحيفة من خسارة كبيرة لأن الصحيفة ما كان لها أن توزع والكباري مغلقة .
من أفضال الفريق الفاتح عروة وفي واقعة شخصية أني كنت علي وشك شراء عربة فأخبرني محجوب بأن الفاتح له عربة قابعة بالمنزل ويمكن أن يبيعها وكانت سيارة داتسون كبيرة بماكينة بوكس تويوتا وتلك ميزات مقدرة للسيارات آنذاك .
عرض علي الرجل الكريم الفاتح سعره وعرضت له ما يقل عنه بمقدار الربع فلم يتردد ووافق واضاف ان العربة تحتاج بطارية فقط وألا ادفع قيمتها إلا بعد ان أستخدمها لفترة أطمئن فيها لسلامتها ولم يسأل عن ماله حتي بعت سيارتي القديمة وسددت له .
الفاتح عروة رجل متعدد المواهب والمهن جم التواضع علي تدين لا يشعر به من حوله .
وكان من الرجال الذين هم كما قال الشاعر عنهم .
من الرجال المصابيح الذين هموا
كأنهم من نجوم حية صنعوا
أخلاقهم نورهم من أي ناحية اقبلت تنظر في أخلاقهم سطعوا
https://almohagig.com/?p=17084