ترويها : واصله عباس
مدخل
تظل مسيرة العمل الإنساني علامة فارقة في تاريخ العطاء السوداني ، والذي اصبح سمة تميزه عن بقية الشعوب العالم ، ولان السودان يمر بأزمة كبيرة إنعكست سلبا علي كل مناحيه الإقتصادي والإجتماعي وذابت أثواب الأمان التي تستره ، أصبح لزاما علي المجتمع ان يشد ازر بعضه البعض، (فوقت الحوبات جات ) ، كل الوطن مسن بجراحات الخوف ، والوجع ، والكل يتوسد مكامن الألم في جوف سكنته الآهات ، ومقل فاضت دموعها ، حتي إبتلت القلوب بهذا الحزن الدفين ، من شُرفة ولاية القضارف ، تلك الولاية التي سكبت البلسم علي الجراحات ، و (قشقشت دموع الوجع ) ، كانت قِبلة لكل النازحين الذين صوبوا شطر وجوههم اليها يرجون فيها سلاما وأمانا ، وضمادة لجرحهم المنوسر .
الحجم والكم :
من خلال التواجد الكبير للنازحين في معسكرات الإيواء ، أو في مختلف مقراتهم يتضح جليا ، العدد الكبير لهم مما يشكل ثقلاً كبيرا علي موارد الولاية الذاتية ، ولهذا كان لابد من تدخل عاجل حتي لاتتفاقم اوجاع النازحين في ظل الظروف المناخية القاسية مابين خريف ماتع وشتاء صاقع ، يتطلب الكثير من الجهود والإمكانيات المادية واللوجستية لتفيف حدة الكارثة .
مفوضية العون الإنساني هذا كسبنا:_
في حديث لمفوض مفوضية العون الإنساني بولاية القضارف الأستاذة زهرة ميرغني ، حديث ملئه الحيرة ، تفقد اوضاع الاخرين ضرورة يمليها الواقع الاليم الذي يعيشوه النازحين
مبادرة بِنتعلم التي علمتني :
حينما أطلقتُ بولاية القضارف (مبادرة بِنتعلم ) بهدف بِناء قدرات الشباب والمتطوعين في مجال العمل التطوعي والإنساني ، وتبادل الخبرات فيما بيننا ، لم أكن أتوقع هذا الإلتفاف الكبير حولها في إطلالتها الأولي التي خرجت بنحو 74 دارس ودارسة من متطوعي جمعية الهلال الاحمر السوداني بالولاية ، والتي عكفت علي توفير كل المعينات اللازمة لنجاح المبادرة ، فكان المشاركين إضافة حقيقية لشخصي من خلال التبادل المعرفي وعكس التجارب التي شكلت إضافة لكل المشاركين خلال الاربعة دورات والتي خرجت منها بنحو مايقارب المائة وستون هم حصيلة الدورات التدريبية من (مبادرة بِنتعلم ) ، وكان آخرها الدورة التي جاءت بمشاركة مبادرتي (الجود بالموجود )، و (تكاتف ) ، وبرعاية المجلس الأعلي للشباب والرياضة بالولاية . وهذا الدافع دلالة علي ان الجذور السودانية القيمية في مجال التكاتف والتراحم لازالت خضراء تظهر جليا في كل محبي الإنسانية والتطوع.
الجود بالموجود للإنسانية وجوه كثيرة :
عقب إنتهاء الدورة التدريبية من (مبادرة بِنتعلم ) والتي كانت وقفا لروح صديقتي ورفيقتي مني عيسي ، بمشاركة مبادرتي (الجود بالموجود )، و (تكاتف ) ، كان أكثر مايميز هذه الدورة هو التنوع الكبير في الفئات العمرية لمنسوبي مبادرة (الجود بالموجود) ، تلك الوجوه التي كانت تفيض سماحة وعطاء بلا حدود ، وقلوبهم مترعة بحب الخير للغير بلا منّ و لا أذي ، يتسابق الصغار والكبار لخدمة المحتاجين ، حتي أتقنوا صنعة العطاء علي الُرغم من عمر مبادرتهم القصير ، ولكن بالتعاون والصدق ، كتبوا اسمهم في دفتر العطاء الإنساني.
جراحات نازفة في معسكر الميناء البري:
بدعوة كريمة من مبادرة الجود بالموجود المتجهة الي معسكر إيواء النازحين بالميناء البري بولاية القضارف ، كانت زيارة تحمل بين طياتها (مقاسمة الوجع) ، وتضميد بعض من الأوجاع ، حملوا متاعهم الملئ بالمحنة وطيبة الخاطر ، وزادهم الذي سيكون وثيقة محبة بينهم وبين اولئك المغلوب علي امرهم ، فكانت رحيبة التي استحقت اسمها وهي تجوب بين كبار السن وبرفقتها صديقتها (أيمان) ، وكان الترحاب مدهشا مابين اعضاء المبادرة والنازحين ، كأنما ثمة علاقة رحم تربطهم ، والأطفال يتدافعون (ياعمو قدورة عايز لبسة ، عايزة شبشب) ، ولم يكن قدورة يملك غير الانصات لهم بصبر يحسد عليه ، وهم في تدافعهم ، ولكنه كان يكد لهم انه سيحمل لهم مطالبهم رغم كثرتها حتي اشفقت عليه ، وردني مطمئنة ، إن أبواب الله كثيرة ، وحتما ستتحقق مطالبهم بفضل الله ، وفي المقابل كانت الفرحة كبيرة وهم يستلمون (مفارش للخلوة)، هدية من عضو المبادرة (عثمان )، والخلوة التي شيدوها في فضاءات الميناء البري ، بحجارة صغيرة أحيطت بالمساحة المخصصة للخلوة ، ولكن كان العدد كبيرا من الطلاب الذين حرصت استاذتهم على الحاقهم بركب التعليم،، صنعوا لنفسهم مركزا تعليمي بواسطة حجارة رصت بعناية لتضع حدودا بين العلم والجهل ، وقد ظهرت فرحتهم جليا وهم يرددون (جابو الفرشات .. جابو الفرشات)، والتي تبرع بها عضو المبادرة عثمان دبابة.
أما حادي الركب أستاذ (فخري) فقد كان حريصا علي كل التفاصيل أن تتم وفق ماخططوا له في اجتماعاتهم الراتبة ، وبالتالي كان لبقية العقد النضيد ، عبدالرحمن وصبري وإبراهيم، وأماني، وإيمان ورحمة، وعبدالعظيم ، ورميساء ، والفاتح لهم أدوار لايمكن تناسيها علي الإطلاق ، فاسهمت في اخراج المبادرة بصورة مميزة .
رؤى أخيرة :
تبقى ولاية القضارف الواعدة، بقلبها النابض بحب الوطن بكل مكوناته الاثنية والمناطقية ، عنوان للمحبة.. ومحطة شامخة في موكب النزوح الذي استمر اثنان وعشرون شهرا..