الإثنين, سبتمبر 1, 2025
الرئيسيةمقالاتحروف العبير،٫٫٫ ...

حروف العبير،٫٫٫ يأتي عيد الأم ليذكرني بجناحي المكسور يا أمي بقلم: عبير نبيل محمد

شهر مارس الوردي، شهر المرأة والأم، شهر حواء، أو كما يحلو لي أن أسميه: شهر السلام والأمان. هنا، على أرض السودان، يأتي العيد كغيره من الأعياد، لكنه يزداد قسوة عامًا بعد عام. رحلت من كانت لنا السند الرحيم، واريناها الثرى، ثم تشتتنا في الدروب، كلٌ منا مقسم كما الأشلاء في بلد بعيد.

حسرة أمي على سند الزمان الفقيد، ودموعها التي لا تجف، والخوف الذي يملأ عينيها شاهد على كل النحيب. وإن كانت ما زالت بصحة جيدة، فالتفكير يأكل روحها كل ثانية، وكل جوارحها تلهج بالدعاء: “يا رب يا مجيب…”

الأم: جاذبية الكون وحارسة العوالم

يُقال إن جبر الخاطر يطيل العمر، فكيف إذا كان جبر خاطر الأم؟ حتى لو كانت تحت التراب، فهي حاضرة بين خبايا أرواحنا، تتنفس في ذكراها التي تتغلغل داخل قلوبنا. هي الرحمة، العطاء، والحب بلا حدود.

لقد آن الأوان لنطلق العنان لأقلامنا، تلك التي لم تنتفض كما يجب، لنكتب قصصًا وحكايات، منها ما سمعناه، ومنها ما لم يُروَ بعد…

في زمن الحرب، الأمهات في دائرة العذاب

إن الصمت خنجر مسموم يقطع أوصالنا من الداخل، لكننا رغمًا عنا نقمع الكلمات، نطمسها بوابل من الدموع. في زمنٍ أصبحت فيه كلمة الحق جريمة، تستباح أقلام من يكتبها، وكأنهم اقترفوا إثمًا بحق الإنسانية. فكيف الحال بأمهاتٍ في زمن الحرب؟

لقد سُقنا إلى حربٍ ضروس حطمت أحلامهن، وكأنها أعقاب ثقاب في مهب الريح، أحرقت كل شيء في داخلهن. أكاد أجزم أن الجميع كان على مشارف نقلة نوعية في حياته، لكن كل شيء تحطم، تحول إلى رماد حارق…

سرقوا بيتها، خطفوا ابنها، زوجها، أباها وأمها، أختها وأخاها، وما تبقى من أحبابها. فرحة ابنتها بيوم زفافها تلاشت، فقد اغتصبوها أمام عينيها، قُتل رضيعها بدم بارد، اغتصبوا طفلها الذي لم يتعدَّ عمره سنواتٍ معدودة، حرقوا ابنها وبيتها وزوجها وكل ذريتها أمام عينيها. اغتصبت الفتيات، حتى المسنّات، ومات فلذات أكبادهن يتلوعن من الألم والقهر. شُرّدن، هُجّرن، نمن في الطرقات، وتعرضن لأبشع أنواع العذاب.

شاهدت بيتها، حصاد العمر، ينسف أمامها، ولم تسلم حتى أماكن الأمن والأمان. هنا، حيث تتحول المأساة إلى واقع، تساوَم المرأة على شرفها مقابل لقمة عيش تسد بها رمق أبنائها. أُهينت تلك التي كرّمها الله، وتجرّعت الذل دون رحمة. وما زال الخوف ينهش قلوب الأمهات، خوفٌ من فقدان من تبقى، وخوفٌ من رصاصة تصيب القريب.

أمي… لماذا غادرتِ؟

وأين نحن من كل هذا؟ أين أنتِ، يا أمي؟ تحاربين كل يوم دون أن تلقي بالًا لذاك الجسد النحيف، المنهك من الصبر، الممزق من الوجع.

أمي، يا حجة، لماذا فرقتنا الحياة؟ لماذا ابتعدتِ عني؟ لماذا أصبحت حياتي قاسية بدونك؟

كُسر شيء بداخلي، ولن يُصلح. والصبر يا أمي وحشٌ مخيف…

رحلتِ عن سماء حياتي، وها أنا أعاني، لا الصبر يصبر، ولا الأحلام تجد لها مقيلًا. أمي، ضاع الزاد، ضاع الدار، وضاع السند.

أمي، لقد حكم علينا الظلم، وسِيق كلٌ منا إلى الهلاك.

اعذريني، أمي، لم أكن كما يجب أن أكون من الأبناء…

لكن لنا لقاء، حتى بعد الفراق.

الأمهات… نور ورحمة وسلام

أمي، يا من كنتِ نورًا يضيء دروبي، وحصنًا يحفظني من قسوة الأيام، يا من كنتِ الحضن الدافئ في صقيع الحياة، واليد التي تمسح دمعي قبل أن يسقط.

رحلتِ جسدًا، لكنكِ بقيتِ في روحي، تترددين في نبضاتي، تسكنين أنفاسي، وتبقين صوتًا لا يغيب عن أذني. أعلم أنني مهما صرخت لن يصل صوتي إليكِ، لكن روحي تناديكِ في كل لحظة.

سلامٌ على الأمهات، سلامٌ على من كانت حياتهن فداءً لمن أحببن. رحمة الله على أمهاتنا وأمهات المسلمين، وكل يوم وأنتِ عيد، أمي، سلامٌ وأمانٌ، فالعدل ميزان، وإن غاب عن الأرض، ففي السماء ميزانٌ لا يظلم أحدًا.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات