الأربعاء, أكتوبر 15, 2025
الرئيسيةمقالاتتحبير الواقع/ محمد شعيب. "الفاشر المنسية".. وتهم...

تحبير الواقع/ محمد شعيب. “الفاشر المنسية”.. وتهم وزير الإعلام باطلة وغير مقبولة

إتهام معالي السيد وزير الثقافة والإعلام والسياحة بحكومة “الأمل” خالد الإعيسر الموجه ضد صحافيي ولاية شمال دارفور بأنهم “مأجورين” في أعقاب النقد الموجه للوزارة عن تقصيرها الكامل نحو توجيه الأجهزة الرسمية لإعلام الدولة باستفراد حيزاً واسعاً لتغطية وتناول مآسي مدينة الفاشر المنسية- إتهام باطل لايستند إلى أدلة دامغة، وقرائن بينة تثبت إدعائه الكذوب أن الصحافيين في الولاية المكلومة “مأجورين” خاصة أولئك الذين لايزالون صامدين مع أهاليهم ومجتمعاتهم في أهلك الظروف الإنسانية والمعيشية في المدينة المحاصرة، وهم يؤدون رسائلهم الإحترافية بكل طاقاتهم الممكنة تحت شواظ ولهيب الحرب المشتعلة بلا توقف منذ شرارتها الأولى، وهم مؤمنون بأدوارهم الرسالية هذه، ولايرجون المكافآت بالوزارات، أوالمناصب القيادية، أوالتكسب المادي، على العكس أن أنشطتهم منحصرة في إبراز المعاناة الإنسانية، منورين العالم بما يجري من مجريات الأحداث بكل مصداقية، وأمانة، وفقاً لميثاق الشرف الصحفي والقيم المهنية.

وبما أن أصابع الإتهام المعممة والموجهة ضد أصحاب السلطة الرابعة بمدينة الفاشر على وجه التحديد؛ يحتم للمدعي تحمل تبعات هذه التهم الجماعية، وفقاً للقاعدة القانونية:” إن الأصل في الناس الصلاح ومن يخالف ذلك فإن عبء الإثبات سيقع عليه.”

ظننا أن السيد معالي الوزير الذي تبوأ الوزارة للمرة الثانية أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، وقادر على تحقيق منجزات كبيرة في خارطة البنى التحتية للأجهزة الإعلامية، والاهتمام بالموارد البشرية برفع قدراتها بما يواكب الطفرة الكبيرة التي تشهدها الساحة الإعلامية على مستوى العالم؛ ولكن خابت رجاءنا وفألنا في هذا الوزير الذي سجل سابقة قانونية فريدة لم يفعله أسلافه من قبل باتهام الصحافيين والإعلاميين “بالعمالة” بمجرد انتقاد وزارته وتقصيرها في إدارة ملف الفاشر إعلامياً بما يتناسب ويتلاءم مع حجم الفظائع المرتكبة ضد المدنيين.

إن أسلوب الوزير ماكان له أن يصدر، بل كان الأجدر والأحرى أن يدارس الأمر جيداً، والتمعن في حديثه، قبل الخوض في اللعبة السياسية بشن هجمة مرتدة ضد منتقديه وإتهامهم بتهم باطلة، وغير مقبولة جملة وتفصيلاً، يظن أنها تحصن وتحسن موقفه المهزوز، وتحشد له تأييداً واسعاً من الشعب السوداني الذي صار أكثر وعياً وإدراكاً ببواطن أمور السلطة والسياسة.

لا يعي الوزير ولا يدري المعنى الحقيقي للحرب، فهو لم يعشها قط، ولم يتعايش معها، ولم يرَ نيرانها، ولم يستنشق دخانها، أتى من المملكة المتحدة، مستوزراً، مستمتعاً في مكتبه وفارهتيه بأجهزة التهوية الباردة، متناولاً ما ألذ وطاب من المشهيات، ومكحلاً عينيه بجمال ومناظر شواطئ البحر الأحمر الخلاب، ما دفعه أن يفكر ويدبر في التملص من مسؤوليته الأخلاقية بإطلاق إتهامات عديمة القيمة، على من؟ على من ظلوا يكتوون بنيران المعارك المستمرة، وهم يوثقون جرائم المليشيات ببطونهم الخاوية، ولا يتعدى طعامهم اليومي سوى تناول عصيدة ونشاء علف الأمباز، ويتقاسمون المعاناة مع العوام في أزمة مياه الشرب، بل فقدوا أربعة من زملائهم جراء قتلهم بدم بارد من قبل مليشيا الدعم السريع، بينما جرح اثنان آخران بجروح متفاوتة لاتزال شظايا القذائف في جسديهما، أما الشخص الأخر قد أقتيد أسيراً من منزله إلى معتقلات المليشيا، هل يعلم السيد الوزير أسماء هؤلاء الضحايا؟ أم نعت الوزارة الزملاء الشهداء؟ أم يعلم معالي السيد وزير الإعلام فظاعة الضغط النفسي، والذهني، والجسدي التي سكنت أجساد الصحافيين في الفاشر، على رغم من أن فرص مغادرة المدينة كانت مشرعة أبوابها أمامهم، ولكن إيماناً بروح الوطنية والمسؤولية الأخلاقية آثروا البقاء في المدينة ولم يبرحوها طوال عمر هذه الحرب؟

وهذا الوزير غير الصادق في مقاله الأخير أن مدينة الفاشر ليس بها صحافيين وإعلاميين، لكن الحقيقة الميدانية تؤكد وتوضح أن أكثر من “20” صحفياً وإعلامياً بمختلف المنصات الإعلامية، والمواقع المحلية والعالمية لايزالون يرفدونها بمحتويات صحافية بشكل يومي، إمتثالاً لواجباتهم الأخلاقية، برغم المحاذير الأمنية والسلامة المهنية إلا أنهم حريصون على مبدأ الخطر من أجل الخبر، وإيصال صوت وصورة المواطن الذي ما انفك من مجابهة المجازر الجماعية المرتكبة في حقه بصورة شبه يومية، فضلا عن الحصار والجوع المفتك به.

ولا أعتقد أن الوزير الذي زعم أنه يتابع بجهازه النقال، تغطية فعاليات نقل خطاب رئيس مجلس الوزراء الانتقالي البروفيسور كامل إدريس عبدالحفيظ، من منصة أروقة الأمم المتحدة، أنه ملم بأن هنالك جسم أنشيء في الفاشر أطلق عليه مبادرة الإعلاميين والصحافيين الصامدين في الفاشر، وخلال الأسبوع المنصرم قد تمكنت المبادرة من تنفيذ نشاطاً توعوياً للأطفال عن خطورة الذخائر غير المنفجرة، والدعم النفسي والاجتماعي لهم، رغماً أن هذا الحدث قد نشر في وكالة السودان للأنباء وغيرها من الأنشطة الإنسانية التي نفذتها المبادرة تعزيزاً لدور وأهمية الإعلام في المجتمع ليس بصناعة المحتوى ونشره فحسب، وإنما تنظيم مناشط خيرية مباشرة لضحايا الحرب أيضاً، ولكن هنا غاب المتابعة من معالي السيد الوزير،أو غض الطرف عنه عمداً.

هؤلاء الصحافيون والإعلاميون المتهمون بالعمالة أكثر الناس شرفاً، وطهارةً، ونقاءً. وبما أنهم مواطنون سودانيون، قبل ممارستهم هذه المهنة، لهم الحقوق الكاملة من الدولة في دعمهم وتمكينهم مادياً في ظل هذه الظروف القاهرة، إلا أن الوزارة وقياداتها أدارت ظهورها،وسكرت أبصارها، وصمت أذنها، وزعمتم كذباً أن الفاشر خالية من الصحافيين، فنحن لم ولن نطالبكم أبداً بالإعانة، أوالدعم رغم أنف الهلاك الذي يفتك بنا مع أهلنا، حيث جرى المياه كثيراً تحت الجسور بشأن الكارثة الإنسانية، وفي هذا لا تحتاج المدينة إلى الأحاديث غير المجدية بل إلى تدخلات فعلية تنهي حالة الحصار والتجويع القائم على مواطنيها، أما بشأن إتهام معالي الوزير فليقدم أدلته وليعقد المحاكمة العادلة.

Muhammed14209@gmail.com

الفاشر: الأربعاء 15/أكتوبر 2025

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات