الأربعاء, أكتوبر 15, 2025
الرئيسيةمقالاتضارب دوشكا مميز.. بقلم د....

ضارب دوشكا مميز.. بقلم د. إسماعيل الحكيم..


تحرّكَ في صباحٍ أُغرِقَت فيه المدنُ بخبرٍ لم يكن أحدٌ يتوقعه، شبابٌ لم يَحملوا في أيديهم سوى إيمانٍ بالأرضِ ووجعٍ على أهلها. لم تكن حركتهم حفلةً عاطفيةً لحظية ، بل كانت استنفاراً منظماً للضمائر أولاً، وللواجب الوطني ثانياً — وقفةٌ ألقت بثقلها إلى جانب القوات الرسمية، منذ اليوم الأول حين تلبّست البلاد هَمّ المواجهة في حرب الكرامة..
ما ميز هذا الحشد الشبابي ليس العدد وحده، بل الحسُّ الحضاريُّ والمروءة التي حملها.. أئمةٌ ومعلّمون، طلابٌ وشُبانٌ من الأحياء، فنيّون وموظفون، كلٌّ جاء بما عنده من مهارةٍ أو حبٍّ أو تضحِية. لم يكن بعضهم يبحث عن مجدٍ شخصي، بل عن أن تبقى بيوتُ الناس آمنةً، وأن تبقى الأرض مُقْدَسةً لدى أبنائها. كلُّ شهيدٍ رحل منهم زادهم عزماً، لا تعصّباً، بل إصراراً على أن تُدركَ البلادُ قيمَها وأن تُبقى الأُسرةُ والمجتمعاتُ سالمةً.
في الساحات والمداخل، ومن خلف خطوط الدعم والإسناد، ظهرت براعةٌ تكشف عنها ملامح الشباب يدوّنون النداء، ينسّقون الإغاثة، ينقذون جرحى، ويؤمّنون طرقات. أسماءٌ قرأناها بحزن وفخر — شهداءٌ وأحياءٌ يتوارون عن الظهور، لكنّهم ظلّوا في ذاكرة الناس. قصصٌ صغيرة عن أخٍ مثاب، وعن جارٍ رفض الهروب، وعن شابٍّ ترك الوظيفة ليحرس مدخلاً لا يملك غير عزمه. هذه القصص هي التي تُبقى صورة الوطن حيّة في الأذهان عبر القرون..
لم تكن سٌنةُ الجهاد التي أُحييت على أيدي هؤلاء الشباب مجرد طقوسٍ قديمة تُستعاد، بل كانت ترجمةً حقيقيةً لقيم التضحية والشهادة، بوجهٍ إنسانيٍ أكثر منه تعبوي. حين يتحدُّ المجتمعُ حول من يحمل عبء الدفاع عن المدنيين والمؤسسات، تكون الرسالة للعالم واضحة أن هذه الأرضُ ليست مهملةً أو رخيصة وهذه الشعوب ليست قابلةً للتفكك والإرتهان. ليس الغرض تباهيّاً بالعنف، بل إعلانٌ أن المجتمع يملك أذرعَ حمايةٍ تتكفّل بسلامة الناس وكرامة الوطن.
لقد أظهرت وقائع الأيام الأولى براعةَ المجاهدين الشباب بصفاتٍ مختلفة ملمّ باللوجستيات، وصانعٌ في الإسناد الطبي، ومنظّمٌ في جمع التبرعات، ومُعلِّمٌ ينظّم تعليم الأطفال بعيدا عن دوّامة الحرب وضارب دوشكا مميز.. هكذا تحوّل الشباب من ضواحي الحياة إلى قِبلةٍ للعمل المؤثر، لا لغاياتٍ عدائية، بل لغايات إنقاذٍ وإسنادٍ ومساندة إنسانية وهذه عينها عبودية الوقت..
ومع كلّ اسمٍ يُكتب على لائحة الشهداء ، فإنما تُضاف صفحةٌ إلى سجلّ الوفاء لا تسقط في ظاهرها إلا فيض من الحزن، لكنّ الحزن هذا يولد صلابةً وحرصاً على نسيجٍ اجتماعيٍ أقوى. تلك هي الرسالةُ الحقيقية أن التضحية لا تقود إلى اقتتالٍ داخليّ، بل إلى تلاحمٍ يُعيد بناء الثقة بين الناس وبين مؤسسات بلدهم.
اليوم، فيما تلتئم جراحُ المدن والأحياء، يبقى الأهم أن تُستثمر هذه الروح في بناء مستقبلٍ آمنٍ وعادل تعليمٌ أفضل، فرص عملٍ للشباب، عدالةٌ اجتماعية، واستثمارٌ في البنية التحتية التي تضمن استدامة السلام. هذه هي الوقاية الحقيقية من إذكاء الصراعات، وهذه هي شهادة الشباب الوحيدة التي تليق بدمائهم: أن تتحوّل التضحيات إلى طرقٍ للسلام لا أسبابٍ للحرب.
ولابد أن تذكّر الأجيال أن البطولة ليست في صورةٍ تجمّل الحرب، بل في قدرةِ المجتمعِ على حماية ضعيفه، وإكرام شهدائه، وبناء وطنٍ يحميه الجميع. وهؤلاء الشباب، بكلِّ ما حملوه من عزيمةٍ وصبرٍ ونبل، كانوا — وسيظلون — مرآةً لوجدانٍ سودانيٍ لا يقبل التفريط في أرضه ولا في إنسانيته ما دامت هناك عين تطرف وقلب ينبض.. بإذن الله تعالى ..Elhakeem.1973@gmail.com

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات