بالأمس فارقنا أعز الرفاق، وها نحن اليوم نودّع علماً من أعلام الوطن، الدكتور محمد الأمين من أبرز المجاهدين، لكن الفقد هنا أعمق من مجرد غياب شخص؛ إنه فقد لأشياء كثيرة، لفصلٍ من التاريخ، لقيمٍ عظيمة، لعزيمةٍ كانت تشع في نفوس الأوفياء، وللحظة وطنية صادقة حملت في طياتها الأمل والحرية. الوطن اليوم يئن على فراغاتٍ كثيرة، على الروح التي كانت تسكن المبادئ، وعلى الإخلاص الذي أضحى نادراً بين صخب المصالح والانقسامات.
نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويُلهمنا وأهله وذويه الصبر والسلوان، وأن يجعل رحيله تذكيراً لنا بأن الموت ليست نهاية الطريق، بل دعوة للتأمل وإعادة ترتيب الوعي الجمعي. ففي هذا الفقد تكمن فرصة للنظر إلى الوطن بعينٍ أكثر صدقاً، للتفكير في ما فقدناه من قيم، ومن ثوابت، ومن وحدات إنسانية جعلت من حياتنا مأوى للأمل، ومن التضحية عنواناً لشرفنا.
إنها لحظة حزينة، لحظة يشعر فيها القلب بثقل الفراغ، حيث يبدو أن الوطن نفسه فقد جزءاً من روحه. لكن في الألم نفسه يكمن درسٌ كبير. أن الإرادة لا تموت، وأن قيم الوفاء والعطاء والتضحية، التي جسدها الأوفياء طوال حياتهم، تظل منارة تهدي كل من يسعى للخير والوطن. الفقد الكبير يحثنا على أن ننهض، وأن نحمي ما تبقى، وأن نستثمر ما لدينا من عزيمة وإيمان لتصبح خسارتنا دافعاً للبناء، لا سبباً للاستسلام.
نسأل الله أن يجعل هذا الفقد طريقاً للتقارب، وأن يكون دعوة لكل قلبٍ صادق أن يحمل المسؤولية، وأن يسعى للسلام والوئام في حياته ومجتمعه، وأن يحمي القيم التي تجعل من الوطن صرحاً حياً ينبض بالأمل رغم كل ما فقدناه. رحم الله اخونا دكتور محمد الامين وجميع شهداءنا، وان يوفقنا جميعاً لصناعة وطن يرتقي فوق الحزن والفقد، وطن يظل رمزاً للوفاء، وللتضحية، العظيمة التي لا تُعوض.