تشهد مدينة نيويورك، حراكاً دولياً رفيعاً حيث تتقاطع أصوات العالم في أكبر منبر أممي، بمشاركة رئيس مجلس الوزراء السوداني بمناسبة إنعقاد جلسات اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاملاً معه قضايا وطنٍ جريح يسعى إلى التعافي والانعتاق من ربقة الحرب إلى فضاء المدنية والاستقرار.
الجمعية العامة التي تأسست مع نشأة الأمم المتحدة عام 1945، تعد الجهاز الرئيسي الجامع للدول الأعضاء كافة، حيث تتلاقى الإرادات، وتُصاغ القرارات التي تعكس ضمير المجتمع الدولي. وفي قاعاتها المهيبة تتاح للدول عرض رؤاها، والتعبير عن مواقفها، وطلب العون أو الدعم لقضاياها العادلة.
إن مشاركة رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس في هذا المحفل الدولي تأتي في لحظة فارقة من تاريخ السودان، إذ تعبّر عن إرادة رسمية في الانتقال من خطابات الحرب إلى خطاب الدولة المدنية، ومن لغة المدافع إلى لغة السياسة والتنمية. فالحضور السوداني هنا ليس بروتوكولاً سياسياً فحسب ، إنما هو تجسيد لرغبة في أن يكون السودان جزءًا من التوافق الدولي الساعي لتعزيز السلم والأمن، ودعماً للتحول المدني الذي يمثل أمل ملايين السودانيين.
وقد ظل السودان حاضراً في اجتماعات الجمعية العامة طوال سنوات الحرب عبر خطابات القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي كان يضع العالم أمام حقيقة التحديات والمخاطر التي تعصف بالبلاد. واليوم، يأتي هذا الحضور الجديد عبر رئيس الوزراء ليؤشر إلى انتقالٍ في الخطاب، وبداية صفحة جديدة عنوانها الانفتاح على المجتمع الدولي والرهان على دعم إرادة الشعب السوداني ومساندة قضاياه.
ومن شأن هذه المشاركة أن تعزز انفعال المجتمع الدولي بالواقع السوداني الراهن، وأن تفتح أبواب الحوار والشراكات مع الدول والمؤسسات، بما يمكّن السودان من كسب الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني اللازم لعبور المرحلة الحرجة الآنية. كما أنها تبعث برسالة إلى الداخل السوداني مفادها أن التحول المدني لم يعد شعاراً محلياً فقط، بل هو قضية تجد صدى واسعاً واهتماماً عميقاً في الأسرة الدولية.
إنها لحظة تفرض على السودانيين جميعاً أن يستلهموا معنى الحضور الدولي في صياغة مستقبل وطنهم، وأن يدركوا أن معركة البناء والسلام لا تقل جسامة عن معركة الدفاع والصمود. Elhakeem.1973@gmail.com