بين تطلعات الشعب السوداني في إصلاح مؤسسة الشرطة،التي تتعامل يومياً
مع المواطن وبين واقع مثقل بالاختلالات التي أنهكت ثقة المجتمع في
جهاز يفترض أن يكون حامياً للحقوق، ياتي تعيين الفريق أمير عبدالمنعم مديراً
عاماً لقوات الشرطة السودانية في خطوة تحمل في طياتها فرصة تاريخية لإعادة
بناء هذه المؤسسة على أسس العدالة والمهنية والشفافية.
إن جهاز الشرطة ليس مجرد أداة تنفيذية ،بل هي واجهة الدولة وأول خطوط
العدالة التي تتعامل مباشرة مع المواطن ،فإن اختلت معاييره ، ينعكس سلباً
على بقية مؤسسات الدولة ،ويؤدي إلى ضياع الحقوق ،وانهيار الثقة العامة .
ومن هذا المنطلق ، فإن تعيين قيادة جديدة ينبغي الا يقتصر على مجرد تغيير
في المناصب ،بل نقطة تحول حقيقية تقود إلى إعادة إصلاح المنظومة العدلية.
في هذا السياق وتزامناً مع التغييرات الجارية في قيادة الشرطة والنيابة ،نطالب بفتح
تحقيق عاجل وشفاف في وفاة ابننا “المعز أبوسوار” داخل حراسة قسم الأوسط
بورتسودان وهي حادثة تعكس بوضوح عمق الخلل في منظومة العدالة ،
وتستدعي
الوقوف عند عدد من النقاط الجوهرية التي يجب أن يشملها التحقيق وهي:
- استجواب مدير قسم شرطة الأوسط ببورتسودان بوصفه المسؤول المباشر عن الحراسة التي وقعت فيها الوفاة،لان تجاهل مساءلته يثير الشكوك ويعد تغافلاً مريباً عن نقطة محورية في القضية.
- إنتهاك قرينة البراءة ،حيث تم توصيف المرحوم بالمتهم أثناء التحريات
دون صدور أي إدانة قضائية بحقه ،هذا الخطأ المتكرر من قبل النيابة
يعكس قصور قانوني يستوجب مراجعة شاملة لأساليب التعامل مع المحتجزين قيد التحري
*الإهمال الطبي الجسيم، إذ أشتكى المرحوم لوكيل النيابة من إعياء شديد ورفض للطعام،ورغم ذلك لم يتلق أي علاج ،ولم يُنقل إلى المستشفى
إلا بعد فقدانه الوعي،مما يُعد هذا التصرف إهمالاً جنائياً لا مجرد خطأ إداري،ويستوجب المساءلة القانونية لكل من تورًط في حرمانه
من حقه في العلاج والرعاية الطبية.
*عدم تنفيذ قرار الإفراج عنه ، ورغم صدور قرار بشطب التهمة
والافراج عنه، تعمدت الشرطة الامنية،عرقلة قرار الافراج
عبر استئناف القرار بطريقة غير رسمية ، بورقة مكتوبة
بخط اليد، دون اتباع الإجراءات القانونية المعتمدة مثل إصدار رقم
قبض جديد وموقع حسب الاصول،وتم توجيه إعادة القبض عليه
من قبل وكيل النيابة دون مسوغ قانوني واضح.
- رفض الإفراج عنه بالضمانة بحجة أن الضامنين من خارج دائرة الاختصاص متجاهلة منشوراً صادراً عن النائب العام يسمح بمرونة الإجراءات نظراً للظروف الإستثنائية التي تمر بها
البلاد ،علماً بأن التهمة الموجهة إليه لا تندرج ضمن الجرائم الخطيرة ،مما يُضعف أي مبرر للتشدد في الحبس. - تغول الأجهزة الأمنية على النيابة العامة،فقد تم اعتقال المرحوم في زنزانة انفرادية تابعة للشرطة الأمنية دون مبرر قانوني ،بينما لم تُجر النيابة أي
تحقيق بشأن أسباب احتجازه أو ظروف حبسه ،مما يشير إلى تواطؤ
صامت أو عجز وأضح عن أداء الواجب.
إن ما تكشفه هذه القضية ليس مجرد تقصير فردي ،بل إنهيار واضح في منظومة العدالة ،التي باتت تفتقر إلى الرقابة والمساءلة وتعمل على حماية
المخطئيين بدلاً من محاسبتهم ،
وحين تصبح أرواح المواطنين رهينة لمزاجية
المسؤولين فإن الحديث عن دولة القانون يصبح بلا معنى.
مطلبنا للنائب العام:
وفي ما سبق نطالب النائب العام تشكيل لجنة تحقيق جديدة في هذه
القضية على أن تكون مستقلة وتختلف شكلاً ومضموناً عن اللجنة السابقة
وتتسم بالكفاءة والنزاهة والاستقلال التام.
على أن تمنح صلاحيات كاملة للتحقيق في جميع المحاور المذكورة ،بما في ذلك الخلل في الإجراءات القانونية ،وتغول الاجهزة الأمنية على سلطات
النيابة.
نأمل أن يكون تعيين الفريق أمير عبدالمنعم مديراً عاماً للشرطة بداية إصلاح جاد وحقيقي ،لا مجرد واجهة جديدة لواقع قديم على أن تبدأ المرحلة
بإعادة هيكلة العلاقة بين النيابة والشرطة لضمان إستقلال الأولى عن الثانية
و احترام حقوق المحتجزين،
بإعمال مبدأ “المتهم برئ حتى تثبت إدانته”
لا سيما في ظل ظروف الحرب الراهنة فالعدالة التي تخيف المظلوم وتحمي
الظالم هي عدالة معطوبة لاتصنع دولة.
وإذا كان لهذا الوطن أن ينهض من أزماته ،فلا طريق لذلك إلا بترسيخ مبدأ
المحاسبة على الجميع دون استثناء ،وان بناء الدولة يبدأ من أمن يحمي
الحقوق ،وعدالة تنصف الضعفاء ،لا منظومة تكرس الإفلات من العقاب
وتبرر الإنتهاكات.
16/سبتمبر/2025