الثلاثاء, سبتمبر 16, 2025
الرئيسيةمقالاتبين الأمل في الإصلاح ومرارة الفقد ...

بين الأمل في الإصلاح ومرارة الفقد بقلم/ د.رجاء عبدالله الزبير

شهد السودان حدثاً تاريخياً بتعيين مولانا انتصار عبد العال أول أمرأة في منصب النائب العام وهو منصب يمثل قمة الهرم العدلي، ويضع على عاتقها مسؤولية جسيمة تجاه الوطن والمواطن ،وقد أعلنت منذ اللحظة الاولى بعد أدائها القسم أمام رئيس مجلس السيادة أنها ستجعل من محاربة الفساد وإصلاح المنظومة العدلية أولى أولوياتها.

هذه الخطوة تبعث الأمل،وتسري في النفوس نسمة رجاء بأن يبدأ عهد جديد يعيد للعدالة هيبتها ،وللمواطن ثقته في مؤسسات الدولة ،

غير إن هذا الأمل يصطدم بمرارة الواقع، ففي ظل غياب الرقابة الفعالة تُزهق الأرواح داخل الحراسات والسجون ويحرم المواطنون من ابسط حقوقهم الإنسانية.

مرارة الفقد

وقد كان بيتنا شاهداً على هذه المأساة ،حين فقدنا ابننا المعز
أبوسوار بمدينة بورتسودان بعد أن تم القبض عليه ووضع في حراسة الشرطة لمدة أثني عشر يوما ،وبسبب الأوضاع المتردية داخل الحراسة المكتظة بالمحتجزين ودرجات الحرارة الخانقة في المدينة خلال شهر أغسطس ،انهارت قواه وأصيب بوعكة صحية ،دون ان تقدم له أي رعاية طبية.
ومن المؤلم أكثر ،أنه رغم توفر ستة ضامنيين كانوا مستعدين لكفالته تم رفض الطلب دون مسوغ قانوني،بالرغم من ان القانون يكفل هذا الحق ،وعند استفساري عن سبب استمراره في الحبس طوال هذه الفترة دون احالتة للمحكمة ،جاء رد وكيل النيابة المسؤول عن الحراسات صادماً إذ قال:

“هناك معتقلون أمضوا أكثر من ستة أشهر في الحراسات”.

فهل يعقل ان يُحتجز إنسان طوال هذه المدة دون تقديمه
للمحاكمة أو حتى مراجعة قانونية لحالته؟!كما لم يسمح له بالذهاب
الى المستشفى الإ بعد ان فقد وعيه تماماً،ولم تتفقد النيابة الحراسات حتى فارق الحياة.ان المرحوم لم يرتكب جرماً يستحق عليه هذا المصير فقد كانت جريمته الوحيدة أنه يعمل في مجال استخراج التأشيرات للمسافرين إلى جمهورية
مصر وذلك بحكم أمتلاك والده وكالة سفر ،وكما هو معلوم قد دفعت الحرب أعداداً كبيرة من السودانيين للبحث عن سبيل للخروج.

إن هذه الفاجعة لا تمثل مأساة أسرة بعينها فحسب ، بل تكشف عن
ثغرات خطيرة تهدد حياة الأفراد وثقة المجتمع في النظام العدلي
ابرزها الاتي :

  • غياب شرطة خاصة تتبع مباشرة للنيابة العامة مما يجعلها رهينة لجهاز الشرطة الذي هو طرفاً في كثير من الإنتهاك. *قصور النيابة في المرور الدوري على الحراسات واماكن الإحتجاز
    لتفقد أحوال المنتظرين وظروف حبسهم
  • الإعتقالات التعسفية للمواطنيين من قبل الشرطة الامنية بالرغم
    من عدم إختصاصها
  • *ضعف استقلال النيابة أمام الأجهزة الامنية ،مما يفتح الباب للتلاعب بالقانون وضياع الحقوق.

إن أوضاع الحراسات نفسها تحتاج إلى مراجعة عاجلة وجذرية ،ليس فقط احتراماً لحقوق المحتجزين ،بل لأن من في موقع مسؤولية اليوم قد يجد نفسه يوماً ما داخل هذه الحراسات ،فهل نرضى لهم هذا الواقع المهين؟

ومع تولي مولانا انتصار منصبها التاريخي ،فإننا نتطلع إلى أن تجعل هذه القضايا في صدارة أولوياتها ،وأن تعمل على إصلاح منظومة النيابة العامة بفتح ملفات الوفيات داخل أماكن الاحتجاز ،
ومحاسبة كل من يثبت تقصيره أو تورطه ،وضمان الحق في العلاج والمحاكمة العادلة

إننا لا نكتب هذه الكلمات لنرثي فقيدنا فحسب ،بل لنطالب بعدم تكرار المأساة مع آخرين ،لان العدالة ليست شعاراً يُرفع بل ممارسة يومية تبدأ من صيانة حق الانسان في الحياة .

ونؤكد أن الامل ما زال ممكنا إذا اقترن المنصب التاريخي بالفعل التاريخي واذا تحولت النيابة العامة من شاهد صمت إلى مؤسسة حامية للحقوق
ولعل دماء من رحلوا ظلماً تكون بداية لإصلاح طال انتظاره ،فالوطن لا ينهض إلا بالعدالة والعدالة لا تقوم إلا بحماية الضعفاء من تغول الأقوياء.

٨.اغسطس.٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات