الإعلان عن ما يسمى “حكومة تأسيس” بقيادة الهالك حميدتي وعصابته المتوحشة في خضم معركة الكرامة، تلك التي يخوضها الجيش السوداني دفاعًا عن الأرض والعرض والسيادة، تعد مشهداً مريباً وملتبساً يحمل في طياته كثيرًا من الرسائل الخطيرة :
هذا الظهور ليس حدثاً إعلامياً عابراً ، بل هو عملية إحياء مصطنعة لجسد مليشيا منهكة فقدت على مدار شهور طويلة القدرة على المبادرة، وفقدت تماسكها التنظيمي والمعنوي لكنّ الإعلان بحد ذاته يشكّل دفعة معنوية كبرى لمجموعة غارقة في الفوضى والدم، فالمقاتل في الميدان حين يرى قائد عصابته يتنقل ويتحدث ويظهر بمظهر “الزعيم” يجد في ذلك تعويضًا نفسيًا عن الهزائم المتراكمة التي لحقت به.
إلا أن هذه الدفعة المعنوية لن تبقى في إطار الشعور فقط، بل ستتحول – بلا شك – إلى هجمات متوقعة، ونهب منظم، وسحل وجرائم جديدة في مناطق وجود المليشيا، خصوصًا في معاقلها الكبرى مثل نيالا وما حولها، حيث بيئتها الحاضنة التي تحاول استنهاضها بخطابات جوفاء وصور زائفة.
وعلى الجانب الآخر، فإن الجيش السوداني مطالب اليوم بأعلى درجات الحذر والانتباه، وتغيير تكتيكات القتال بما ينسجم مع المشهد الجديد. فالمعركة لم تعد مواجهة عسكرية فحسب، إنما أصبحت معركة وعي، وصراع رموز، ورسائل نفسية. كل كسب وهمي تحققه المليشيا سيُضخّم إعلاميًا، وكل صورة لزعيمهم الهالك وهو يتجول في نيالا ستُسوّق على أنها نصر استراتيجي، بينما حقيقتها لا تتعدى كونها هروبًا للأمام.
إن معركة الكرامة لم تكن يومًا مجرد سباق مسلح، بل هي صراع وجودي بين جيش يمثل الدولة وسيادتها ومؤسساتها، وبين عصابة لا تعيش إلا على الدماء والفوضى. وظهور الهالك حميدتي في مشهد هزيل لن يغيّر حقيقة أن هذه المليشيا منهزمة في جوهرها بإذن الله تعالى ، ومكشوفة في جرائمها، وعاجزة عن أن تبني مشروعًا سياسيًا أو دولة.
وعليه، فإن المطلوب اليوم من الجميع – جيشًا وشعبًا وإعلامًا – أن يقرأوا هذه التطورات بعمق وترقب، وأن يدركوا أن أي فرحة مؤقتة للمليشيا ما هي إلا فقاعة سراب، وأن ما يسمى بحكومة التأسيس ليست سوى محاولة يائسة لبث الروح في جثة متحللة، لن يطول الوقت حتى تتكشف حقيقتها ويطويها التاريخ في صفحاته السوداء. Elhakeem.1973@gmail.com