في السنوات الأخيرة برز اسم مزمل فقيري كأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في المشهد الدعوي السوداني ليس بسبب علمه أو قدرته على جمع القلوب بل نتيجة خطابه الحاد ومواقفه التي تشعل الانقسام بين المسلمين فالرجل الذي يقدمه أنصاره كداعية لم يتخذ من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة سبيلا بل اختار أسلوب التكفير والتجريم وركز جهده على مهاجمة المتصوفة وكأنهم العدو الأول داعيا إلى هدم القباب وقتل أصحابها متجاهلا أن الدعوة الحقة تقوم على اللين والرحمة حتى مع المخالفين كما قال الله تعالى “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” صدق الله العظيم.
جوهر فكر مجموعة مزمل فقيري يتمحور حول تكفير مخالفيهم من الطوائف الإسلامية الأخرى ووصمهم بالشرك مع التركيز المفرط على جانب التوحيد بمعناه الضيق وإهمال سائر أركان ومقاصد الدين وهذه النظرة الإقصائية جعلت من الحوار معهم أمرا شاقا إذ يتسم أتباعه بالتشنج ورفع الصوت في النقاش ورفض أي اختلاف في الرأي معتبرين أن ما عدا فكرهم باطل وضلال مخالفين لقول النبي صلى الله عليه وسلم “إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا” رواه البخاري ومسلم وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من كفر مسلما فقد كفر”.
ومن بين القضايا التي أثارت ضجيجا واسعا وواجه بسببها موجة انتقادات شديدة ما جرى في إحدى محاضراته بجامعة السودان حينما كان يشرح واقعة زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية رضي الله عنها ودخوله بها حيث استخدم عبارة كتل بيها ملف لوصف الحدث وهي عبارة اعتبرها علماء سبا للنبي صلى الله عليه وسلم مما أدى إلى فتح بلاغات ضده في المحكمة وقد استفتى شيخه محمد مصطفى عبدالقادر حول ما قال فكان رده أن العبارة سب وردة وكفر وأنه يجب قتله حتى وإن تاب وبعد ذلك أعلن مزمل فقيري أمام المحكمة توبته وتراجعه عن العبارة المذكورة.
الأخطر في نشاط هذه الجماعة هو نجاحها في التغلغل داخل الأوساط الطلابية خاصة بين طلاب الكليات العلمية في السودان حيث استطاعت استقطاب عدد كبير منهم إلى درجة أن بعضهم دخل في صدام مع بيئته وأسرته وتفاقمت المشكلة حين تحول الخلاف الفكري إلى خلاف اجتماعي فصار بعض هؤلاء يصف أقاربه بالكفار أو المنافقين لمجرد اختلاف الرأي ما يهدد بتفكيك الروابط الأسرية وزرع الشقاق في المجتمع مخالفين أمر الله تعالى “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا “صدق الله العظيم
لم يتوقف الأمر عند حدود الفكر الديني بل تعداه إلى المواقف السياسية فقد بدأت جماعة فقيري بمهاجمة معظم الجماعات الإسلامية واتهامها بأنها لا علاقة لها بالإسلام بل ذهبت أبعد من ذلك باتخاذ موقف فاتر من القضية الفلسطينية متهمة الحركات الإسلامية هناك بأنها سبب الدمار وهذا الخطاب يتقاطع مع سياسات بعض الأنظمة المطبعة مع الاحتلال الإسرائيلي ما يثير تساؤلات جدية حول خلفيات هذا التوجه ويجعل البعض يصف جماعة مزمل فقيري بأنها أداة وصنيعة مخابراتية لتمرير مشروع الإسلام المعتدل الذي تروج له دوائر غربية وإسرائيلية مخالفين قوله تعالى عن وجوب نصرة المظلوم “وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا” صدق الله العظيم.
ومع اندلاع الحرب في السودان بدا موقف مزمل فقيري متناغما مع المليشيا المسلحة رغم الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين بل وحتى بحق أسرته إذ قتل زوج ابنته وابنه ورغم ذلك اختار مع مجموعة من رفاقه مغادرة السودان إلى تشاد التي تعتبر أحد معاقل الدعم السريع ما عزز الشكوك حول انحيازه أو ارتباطه غير المعلن بتلك القوى.
إن جماعة مزمل فقيري تمثل نموذجا للفكر السلفي المتشدد الذي يمزق النسيج الاجتماعي ويشعل الفتنة بين أبناء البلد الواحد والبيت الواحد مستخدما الدين كأداة إقصاء وصراع بدل أن يكون وسيلة إصلاح وتوحيد وخطر هذه الجماعة لا يكمن في خطابها فقط بل في قدرتها على اختراق الأوساط الشبابية وتوجيه طاقاتها نحو الصدام والعداء بدل البناء والعمل ومهما اختلفت التفسيرات لخلفياتها ودوافعها فإن الواضح أن فكرها يهدد الأمن الفكري والاجتماعي للسودان ويستدعي مواجهة فكرية رصينة تحصن العقول وتعيد للدعوة روحها السمحة امتثالا لقوله تعالى “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ” صدق الله العظيم….لنا عودة.