الأحد, يوليو 27, 2025

زاوية خاصة… نايلة علي محمد الخليفة. تفتيت ناعم بلا بندقية

لو كنت أملك القرار في هذا البلد المنكوب ، لمنعت كل الذين تجردوا من إنسانيتهم ، وتمرغوا في مستنقع الابتذال الفني ، من دخول السودان ، لمنعت من ساهموا في إفساد الوجدان من العودة ، كما يمنع اليوم المواطن من دخول مدينته المحاصرة او الخروج منها ، وبيته المسروق ، وذكرياته التي دمرتها المليشيا .

هذه الأيام نشهد مشاهد عابثة في بورسودان ، وفي الخرطوم الجريحة التي لم تندمل جراحها بعد ، نشهد عودة نجوم الدراما المنحطة والغناء الهابط ، وجوه لم تقف يوماً مع الشعب، ولم تتورع عن تقديم مسلسلاتها ومقاطعها الغنائية خارج السودان ، بينما كانت البيوت السودانية تُحترق ، والأجساد تُباد ، والحرائر يُغتصبن.

عادوا الآن بذات الوجوه المائعة ، ونفس الأداء الباهت ، ليبثوا لنا رسائل جديدة من التفاهة ، وكأن البلاد قد تعافت ، وكأن كل شيء على ما يُرام.

هؤلاء لا يخرجون من سياق المخطط الكبير لتفكيك السودان ، لكنهم يمسكون بخنجرٍ ناعم ، لا يريق دماً ، بل يريق القيم ، لا يحملون بندقية ، لكنهم يفرغون وجدان السوداني من داخله ، ليتطبع مع القبح ، وينسى معاني المقاومة ، ويستسلم لثقافة الهروب والضحك الفارغ وهذا لعمري هو التفتيت الناعم دون الحاجة لإستخدام البندقية.

كيف يمكن لمن تهز خصرها وتكشف عن جسدها على مسارح أبو ظبي ودبي ، وتبث أغنياتها على تيك توك وإنستغرام ، أن تقدم فناً حقيقياً ، كيف لمن يرتدي سلاسل وملابس لا تليق بالرجال ، ولا تُحاكي تراثنا أن يدعي تمثيلنا على الشاشات.

نموذج مسلسلات رمضان الأخيرة التي عُرضت من القاهرة أو دول الخليج ، ومقاطع الطقطقة والصفقة والترترة في أغنيات لا مضمون فيها سوى اللفة واللفة التانية، فهي تُعيد تعريف الفن كأداة هروب ، لا أداة وعي ، المحزن أن تنتشر أغنيات مثل ” كركر يا قلبي كركر ” ، “خليك تكة وأنا أرجع ليك لفة ” ، فكلها تعكس عمق الانحدار ، وتقدم صورة بائسة لشعب يفترض به أنه يُقاوم ولا يرقص.

الحرب اليوم لم تعد في الميدان فقط ، الحرب تُدار أيضاً عبر الأغنية ، والمشهد الدرامي ، والإسكيتش الكوميدي الفارغ من المعنى ، نحن في معركة ضد التمييع ، وضد قتل الإحساس العام ، وضد زرع لامبالاة مدروسة تجعل المواطن يبتسم بينما تُسرق بلاده وتُغتصب نساؤه.

على وزارة الثقافة والإعلام ألا تكون متفرجة ، يجب أن تتخذ موقفاً شجاعاً وجريئاً ، بمعاملة هذه الوجوه الماجنة ، كما تُعامل المليشيا التي حرقت الأرض ، فالمخطط واحد ، والنتيجة واحدة ، والسكوت في الحالتين جريمة.

الفن الحقيقي هو ما يُشبه مقاومة الفاشر ، وصمود الجنينة ، وعناد ود مدني ، وشراسة الخرطوم ، وبسالة ام در .واستماتة بابنوسة ، وعفة الأبيض ، هو ما يُحاكي أغنيات الحماسة القديمة ، وأشعار محمد المهدي المجذوب، واغنيات العطبراوي الذي أنشد ياغريب يلا لبلدك ، لا ما يُردد اليوم من هبوط ، شفتك لابس لي المجندل …وواقف زي عود الصندل …أحي اجيك انا واتهندل ، كفى عبثاً كفى نفاقاً باسم الإبداع ،كفى تواطؤاً على حساب ذاكرة هذا الشعب العظيم…. لنا عودة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات