الأربعاء, يونيو 18, 2025
الرئيسيةمقالاتأيها البرهان..البحر أمامك والشعب خلفك .. والوجهة شرقاً ...

أيها البرهان..البحر أمامك والشعب خلفك .. والوجهة شرقاً بقلم/ د.إسماعيل الحكيم

إن المتغيرات الإقليمية والدولية تفرض على السودان أن يعيد رسم خارطة تحالفاته، وألا يبقى مرتهنًا لمعادلات لم تعد تضمن له البقاء، ناهيك عن التقدم وفي هذا السياق فإن التوجه شرقا نحو أنقرة وموسكو لم يعد خيارًا نخبويًا أو أمراً ثانوياً ، بل ضرورة استراتيجية تمليها لغة المصالح، وتفرضها معادلات الردع الجديدة. فتركيا وروسيا، بعلاقاتهما المتشابكة في الإقليم، تملكان أوراقًا يمكن أن تعيد التوازن في المنطقة، وتمنح السودان ناصية المناورة التي فقدها في السنوات الأخيرة .كما أن تاريخ السودان المعاصر، كشف عن محاولات غزو متكررة و متجددة همها النيل من السودان .. وما محاولة قوة عسكرية تابعة للجنرال خليفة حفتر التمدد باتجاه المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر إلا واحدة من تلك المحاولات ذات الأبعاد الجيوسياسية لكى تتجاوز بها الطموحات التكتيكية والتخطيط العسكري سعياً نحو الغزو والسيطرة ..وهذا ما جعلنا نطرح تساؤلات وجودية حول خارطة التحالفات، وصدقية المواقف الإقليمية، وحدود الصبر السوداني.
وحسناً إذ تعاملت القيادة العسكرية السودانية مع الحدث بحكمة ويقظة، واضعة أمن البلاد القومي فوق أي حساب، مدركة أن ما جرى ليس إلا امتدادًا لحلقات الاستنزاف المتعددة التي تتعرض لها الدولة السودانية وحالات شد من الأطراف للإضعاف أو الردوخ ، من أطراف لا تريد لها أن تقوم من كبوتها أو تستقيم من عثرتها ولا أن تستعيد موقعها الطبيعي في قلب إفريقيا وعلى ضفاف البحر الأحمر.
وإن كان المثلث الحدودي اختبارًا عسكرياً ميدانيًا، فهو في حقيقته امتحان سياسي وأخلاقي أيضاً للجارة مصر البيضاء ، التي لطالما نادت بشعارات “الأمن القومي العربي” و”وحدة المصير”. فهل آن الأوان أن تُترجم هذه الشعارات إلى مواقف عملية تقف مع السودان قلباً وقالباً لا عليه؟ وهل سيظل الصمت سيد الموقف بينما تُستباح أرض السودان من قوي تتغذى على الفوضى وعدم الانضباط ، وترعاها “دويلة الشر” التي جعلت من تمزيق الدول السودانية مشروعًا طويل الأمد؟
إن البحر الأحمر ليس معبراً مائياُ أو ساحلاً ممتداً يطل على السودان فحسب ، بل بوابة للنفوذ والمصالح الدولية التي تتحقق بها القوة الرادعة والعين الحمراء . والسودان بسيطرته الجغرافية على جزء معتبر من هذا البحر، يملك ما يؤهله ليكون لاعبًا مهماً في المنطقة والاقليم لا ساحة صراع وإقتتال . ولهذا فإن المطلوب اليوم هو رؤية واضحة، وشراكات مبنية على تبادل المصالح لا الارتهان، وعلى السيادة لا التبعية.
وفي المقابل فإن المليشيا المتمردة، المدعومة بالمال والسلاح والدعاية من قبل الإمارات، لا تزال تمثل رأس الحربة في مشروع تفكيك السودان، وتقويض مؤسساته، وتحويله إلى كانتونات رخوة يسهل التحكم بها. هذا الخطر لا يمكن مواجهته إلا بجبهة وطنية متماسكة اولاً ، ودعم سياسي إقليمي لا يعرف الحياد حين يكون الحق مهددًا.
فهل ستلتقط القيادة السودانية الرسالة؟ وهل من مستجيب لتحديات اللحظة؟ إن التاريخ لا يرحم المترددين، والشعوب لا تصبر طويلًا على من يفرّط في سيادتها.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات